شئ، وبينت عاقبة محاربة الله ورسوله في الدنيا والآخرة، ثم جاءت المجموعة الثالثة وهي مجموعة الحشر فعرفت على الله عزّ وجل، وضربت مثلا عمليا على نتائج محاربة الله والرسول، وحررت من اتخاذ أعداء الله ورسوله أولياء. وهكذا نجد أن كل مجموعة من المفصل تكمل المجموعات السابقة عليها.
...
ولنلاحظ بشكل عام كيف أن السابق يشكل أساسا يبنى عليه اللاحق؛ فسورة الحشر عرفت على الله وعظمته، وبعد أن عرفتنا على جلال الله تأتي سورة الممتحنة لتقول في بدايتها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، وسورة الحشر عرفتنا خسة الذين يوالون أعداء الله عزّ وجل، ومصيرهم ومصير أوليائهم، وسفهت المنافقين وحقّرتهم، لأنهم يوالون أعداء الله عزّ وجل. وجاءت سورة الممتحنة لتقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، وسورة الحشر عرفتنا فعل الله بالكافرين وسنته فيهم، وجاءت سورة الممتحنة لتنهى عن ولائهم، وتفرض عداوتهم. ورأينا قبل ذلك كيف أن مجموعة سورة الحديد كانت أساسا لما ذكر في مجموعة سورة الحشر، ومجموعة سورة الذاريات هي الأساس لما ذكر في مجموعة سورة الحديد، هذا والمجموعات كلها تفصل في حيز واحد من سورة البقرة هي الآيات الأولى منها، وسنرى كيف أن المجموعات اللاحقة تفصل في هذا الحيز تقريبا، وكل منها يكمل ما سواه، ويبنى كل منها على ما سبقه. والملاحظ أن سور المجموعات السابقة أطول من سور المجموعات اللاحقة في الغالب، وكأن المعاني الأولى التي عرضتها أوائل سورة البقرة تعرض بتفصيل أوسع، ثم بتفصيل واسع، ثم بتفصيل أقل، حتى إن هذه المعاني لتعرض عليك مرة بصفحة، ومرة بعشرات الصفحات، وفي ذلك من الحكمة ما لا يخفى، وخاصة في موضوع التذكير الذي يسع كل الطبقات وكل الناس، ويسع وقت كل أحد، وفي الوقت نفسه يحيط بكل ما ينبغي، ومن ثم ندرك لم كانت بعض السور القصيرة تعدل ربع القرآن أو ثلثه أو نصفه.