للقتال» ورواه ابن ماجه. وروى ابن أبي حاتم ... قال مطرف كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه فلقيته فقلت: يا أبا ذر كان يبلغني عنك حديث فكنت أشتهي لقاءك، فقال: لله أبوك فقد لقيت فهات فقلت كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثكم أن الله يبغض ثلاثة ويحب ثلاثة، قال:
أجل فلا إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم قلت: فمن هؤلاء الثلاثة الذي يحبهم الله عزّ وجل؟ قال: رجل غزا في سبيل الله خرج محتسبا مجاهدا فلقي العدو فقتل، وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل ثم قرأ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ وذكر الحديث).
...
وبمناسبة هذه الآية قال صاحب الظلال:(فليس مجرد القتال. ولكنه هو القتال في سبيله. والقتال في تضامن مع الجماعة المسلمة داخل الصف. والقتال في ثبات وصمود صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ.
فهو تكليف فردي في ذاته، ولكنه فردي في صورة جماعية. في جماعة ذات نظام؛ ذلك أن الذين يواجهون الإسلام يواجهونه بقوى جماعية، ويؤلبون عليه تجمعات ضخمة؛ فلا بد لجنود الإسلام أن يواجهوا أعداءه صفا. صفا سويا منتظما، وصفا متينا راسخا؛ ذلك إلى أن طبيعة هذا الدين حين يغلب ويهيمن أن يهيمن على جماعة، وأن ينشئ مجتمعا متماسكا. متناسقا. فصورة الفرد المنعزل الذي يعبد وحده، ويجاهد وحده، ويعيش وحده، صورة بعيدة عن طبيعة هذا الدين، وعن مقتضياته في حالة الجهاد، وفي حالة الهيمنة بعد ذلك على الحياة.
وهذه الصورة التي يحبها الله للمؤمنين ترسم لهم طبيعة دينهم، وتوضح لهم معالم الطريق، وتكشف لهم عن طبيعة التضامن الوثيق الذي يرسمه التعبير القرآني المبدع:
صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ... بنيان تتعاون لبناته وتتضام وتتماسك، وتؤدي كل لبنة دورها، وتسد ثغرتها، لأن البنيان كله ينهار إذا تخلت منه لبنة عن مكانها.
تقدمت أو تأخرت سواء. وإذا تخلت منه لبنة عن أن تمسك بأختها تحتها أو فوقها أو على جانبيها سواء ... إنه التعبير المصور للحقيقة لا لمجرد التشبيه العام. التعبير المصور لطبيعة ارتباطات الأفراد في الجماعة. ارتباط الشعور، وارتباط الحركة، داخل النظام المرسوم، المتجه إلى هدف مرسوم).