ويلاحظ أن سورة آل عمران التي فصلت في مقدمة سورة البقرة قد ورد في أوائلها قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ وأن سورة التغابن قد ورد في أوائلها قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ويلاحظ أنه قد ورد في سورة آل عمران يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وأنه ورد في سورة التغابن قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وقد اعتبر بعض العلماء أن هذه الآية مفسرة أو ناسخة لآية آل عمران، وبهذا كذلك نستأنس على أن سورة التغابن تفصل في محور آل عمران أي: في مقدمة سورة البقرة.
...
نلاحظ أن مقدمة سورة البقرة تحدثت عن المتقين والكافرين والمنافقين، وأن سورة التغابن تحدثت عن الكافرين والمؤمنين، ولا ننسى أن النفاق مظهر من مظاهر الكفر، وأن مما ختمت به آيات المتقين في سورة البقرة قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وأن سورة التغابن ورد فيها قوله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ مما يشير إلى أن الحديث في السورتين متحد المآل، وهذا كذلك مما نستأنس به على أن سورة التغابن تفصل في مقدمة سورة البقرة.
...
فإذا أضيف إلى هذا كله، أن سورة (المنافقون) نهاية مجموعة، وأن ما بعد سورة التغابن سورة الطلاق المبدوءة ب (يا أيها) والتي تدل على أنها تفصل فيما بعد مقدمة سورة البقرة، يتأكد لنا- نتيجة لهذا كله- أن سورة التغابن تفصل في مقدمة سورة البقرة، وسنرى أثناء عرض السورة أن المعاني نفسها تدلنا على ذلك.
...
تتألف سورة التغابن من فقرتين واضحتين: الأولى منهما تمتد حتى نهاية الآية (١٣)، والثانية منهما تمتد حتى نهاية السورة أي: إلى نهاية الآية (١٨) فلنبدأ عرض السورة.