يطلقها زوجها وهو في كامل إدراكه وتفكيره وتعقله، ملاحظا في ذلك حالته النفسية، وفي ذلك من الحكم الكثير مما سنراه في الفوائد، قال النسفي (وهو حنفي):
(والمراد أن تطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق). أقول: وسنرى في الفوائد ما هو أحسن الطلاق؟، وما هو حسنه؟، وما هو الطلاق البدعي؟، فالآية هنا دعت لأحسن الطلاق، وذلك بأن يطلق الرجل زوجته تطليقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، وينتظر انقضاء عدتها، وهي ثلاثة قروء، على خلاف بين العلماء في تفسير القرء، فالشافعية يعتبرونه الطهر، والحنفية يعتبرونه الحيض، فمتى طهرت من حيضتها الثالثة عند الحنفية وقع الطلاق بائنا، أي: مفرقا، أما قبل انتهاء العدة فالطلقة رجعية، أي: يحق له أن يراجعها في العدة دون عقد جديد بالقول بأن يقول: راجعتك، أو بالفعل بأن يعاملها معاملة الأزواج من مس بشهوة، أو قبلة أو جماع، أما بعد انقضاء العدة فلا بد من عقد جديد بشروطه، والطلقة وقعت في الحالتين بمعنى: أنه لم يبق للزوج حق إلا في طلقة واحدة، ثم تكون بالثالثة البينونة الكبرى التي لا تحل معها لزوجها الأول إلا بعد أن تتزوج غيره، فيدخل بها ثم يطلقها، وتنقضي عدتها، وعندئذ تحل لزوجها الأول، وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ قال النسفي:(أي: واضبطوها بالحفظ، وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن، وخوطب الأزواج لغفلة النساء)، وقال ابن كثير:(أي: احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها، لئلا تطول العدة على المرأة فتمتنع من الأزواج) وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ أن تخالفوا أمره ونهيه وحدوده وأحكامه، أو تزوروا أو تتلاعبوا في شئ من أحكام شرعه أو حقوق عباده لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ قال ابن كثير:(أي: في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت معتدة منه، فليس للرجل أن يخرجها، ولا يجوز لها أيضا الخروج، لأنها متعلقة لحق الزوج أيضا) وقال النسفي: (أي: لا تخرجوهن حتى تنقضي عدتهن من بيوتهن أي: مساكنهن التي يسكنها قبل العدة، وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى، وفيه دليل على أن السكنى واجبة ... ومعنى الإخراج: أن لا يخرجهن البعولة غضبا عليهن، وكراهة لمساكنتهن، أو لحاجة لهم إلى المساكن، وأن لا يأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانا بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر) وَلا يَخْرُجْنَ بأنفسهن إن أردن ذلك إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ قال ابن كثير: أي: لا يخرجن من بيوتهن إلا أن ترتكب المرأة فاحشة مبينة، فتخرج