ثم يأتي القسم الثالث ويمتد من الآية الثامنة بعد المائتين إلى نهاية الآية الرابعة والثمانين بعد المائتين.
يبدأ القسم الثالث بأمر ونهي، أما الأمر: فهو في موضوع الدخول في الإسلام كله. وأما النهي: فعن اتباع خطوات الشيطان وهو نفس النهي الذي جاء في ابتداء القسم الثاني.
لاحظ أن بداية القسم الثاني كانت: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وأن بداية القسم الثالث:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي في الإسلام جميعا كما فسرها ابن عباس وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ.
ومن المعلوم أن الآيتين الأخيرتين في سورة البقرة قد ورد فيهما أكثر من نص يخصهما بالذكر فهما خاتمة السورة وبدايتهما: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ....
لاحظ صلة ذلك ببداية السورة: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
هذه نقاط علام كبيرة على معالم السورة، ونحن نعلم أننا الآن ونحن نذكر مثل هذه المعاني كأننا نبني على فراغ في حق من لا يحفظ السورة أو لا يمسك بيده مصحفا يتتبع ما نقول، ولكن أحببنا في هذه الكلمة أن نضع أساسا يبني عليه القارئ ونحن نسير معه فقرة فقرة، ومقطعا مقطعا وقسما قسما ونحن نعرض الترابط والصلات بين أجزاء السورة، وإلا فإن الكلام المختصر هنا لا يغني ولكنه ينفع، ولذلك فلنستمر به على ملاحظتنا عليه:
تبدأ المقدمة بتقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: متقين، وكافرين، ومنافقين. ثم يأتي القسم الأول مبتدئا بدعوة الناس لسلوك طريق العبادة والتوحيد كطريق موصل إلى التقوى، ثم يسير القسم ليناقش الكفر، وليعمق قضية السير في التقوى، من خلال تأكيد طاعة الأمر واجتناب النهي، ومن خلال عرض الآثار الخطيرة لمخالفة الأمر.