وهذه الحركات الثلاث لها حكمة. وقد عرفنا أثر اثنتين منها في حياة هذا الإنسان، بل في الحياة كلها على ظهر هذه الأرض. فدورة الأرض حول نفسها هي التي تنشأ عنها الليل والنهار، ولو كان الليل سرمدا لجمدت الحياة كلها من البرد، ولو كان النهار سرمدا لاحترقت الحياة كلها من الحر ... ودورتها حول الشمس هي التي ينشأ عنها الفصول. ولو دام فصل واحد على الأرض ما قامت الحياة في شكلها هذا كما أرادها الله ... أما الحركة الثالثة- فلم يكشف ستار الغيب عن حكمتها بعد.
ولا بد أن لها ارتباطا بالتناسق الكوني الكبير.
والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الأرض، وسهولة استقرارهم عليها، وسيرهم فيها، واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها وقواها وأرزاقها جميعا ...
ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها. والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة، ويبصرهم بها، في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول. والأرض الذلول كانت تعني في أذهان المخاطبين القدامى تلك الأرض المذللة للسير فيها، كما جعل لها ضغطا جويا يسمح بسهولة الحركة فوقها.
ولو كان الضغط الجوي أثقل من هذا لتعذر أو تعسر على الإنسان أن يسير وينتقل- حسب درجة ثقل الضغط- فإما أن يسحقه أو يعوقه. ولو كان أخف لاضطربت خطى الإنسان، أو لانفجرت تجاويفه لزيادة ضغطه الذاتي على ضغط الهواء حوله، كما يقع لمن يرتفعون في طبقات الجو العليا بدون تكييف لضغط الهواء!
والله جعل الأرض ذلولا ببسط سطحها وتكوين هذه التربة اللينة فوق السطح.
ولو كانت صخورا صلدة- كما يفترض العلم بعد برودها وتجمدها- لتعذر السير فيها، ولتعذر الإنبات. ولكن العوامل الجوية من هواء وأمطار وغيرها هي التي فتتت هذه الصخور الصلدة، وأنشأ الله بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة. وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يحلبها راكبو هذه الدابة الذلول!
والله جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا على العناصر التي تحتاج الحياة إليها. بالنسب الدقيقة التي لو اختلت ما قامت الحياة، وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس. فنسبة الأكسجين فيه هي ٢١% تقريبا، ونسبة الأزوت أو النتروجين هي ٧٨% تقريبا، والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من