للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً أي: فاوت بينهما في الاستنارة، فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة؛ ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدر القمر منازل وبروجا، وفاوت نوره فتارة يزداد حتى يتناهى، ثم يشرع في النقص حتى يستسر ليدل على مضي الشهور والأعوام كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وقال الألوسي: (ولعل في تشبيهها (أي: الشمس) بالسراج القائم لا بطريق الانعكاس رمزا إلى أن ضياءها ليس منعكسا إليها من كوكب آخر، كما أن نور القمر منعكس عليه من الشمس).

أقول: هذه نماذج في التفسير تبين تأثر المفسرين بثقافات عصرهم، التي قد تقرب أو تبعد من الصواب، والذي أراه في فهم الآية: أن الشمس والقمر والكواكب السيارة كلها في جوف السماء الدنيا، وأن السماء الدنيا واحدة من سبع سماوات، وأن هذه السموات السبع مغيبة عنا، فهي من عالم الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به دون أن نراه، وهذا موضوع يحتاج إلى تحقيق واسع، وهذا ما عندي فيه، والملاحظ أن نوحا عليه السلام خاطب قومه بقوله: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مما يشير إلى أنه كان في حكم البديهة عندهم وجود سماوات سبع، والدارس لحضارات وادي الرافدين يعلم أن لأهل الوادي في حضاراتهم المتعاقبة ولعا في الفلك والسماء والنجوم،

وأن للرقم (سبعة) محلا خاصا في فلسفتهم ولا زال صابئة العراق الآن وهم من بقايا دين قديم هناك يربطون بين كثير من عقائدهم وبين النجوم.

٥ - بمناسبة قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً قال صاحب الظلال: (والتعبير عن نشأة الإنسان من الأرض بالإنبات تعبير عجيب موح. وهو يكرر في القرآن في صور شتى. كقوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً. وهو يشير في هذا إلى نشأة الناس كنشأة النبات.

كما يقرن نشأة الإنسان بنشأة النبات في مواضع متفرقة: ففي سورة الحج يجمع بينهما في آية واحدة في صدد البرهنة على حقيقة البعث فيقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ، لِنُبَيِّنَ لَكُمْ، وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا، ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>