العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال:
إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم). أقول: هذا المقام من المقامات التي تقتضي تحقيقا واسعا، فحفريات ما بين الرافدين قدمت لنا الكثير عن التاريخ القديم، وقدمت لنا فيما قدمت كلاما عن نوح، وتصورا عن الأصنام التي عبدتها أقوام بلاد الرافدين جيلا بعد جيل، ومن الملاحظ أن الصنم الذي على هيئة النسر كان يظهر مرة بعد مرة في عبادة الأجيال، ولا أستبعد أن يكون ابن عباس فهم من الآية أن لكل صنم شكلا، وهذه الأشكال وجدت في بلاد العرب وعبدت، لا أن عين الصنم الذي عبده قوم نوح عبدته العرب ويشهد لذلك بعض ما ذكره الألوسي.
قال الألوسي:(وأخرج ابن المنذر وغيره عن أبي عثمان النهدي أنه قال: رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل أجرد، ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا: قد رضي لكم المنزل فينزلون حوله، ويضربون عليه بناء، وقيل: يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام وانتقالها إلى العرب، فالظاهر أنه لم يبق إلا الأسماء، فاتخذت العرب أصناما، وسموها بها، وقالوا أيضا: عبد ود وعبد يغوث يعنون أصنامهم، وما رآه أبو عثمان منها مسمى باسم ما سلف، ويحكى أن ودا كان على صورة رجل، وسواعا كان على صورة امرأة، ويغوث كان على صورة أسد، ويعوق كان على صورة فرس، ونسرا كان على صورة نسر).
أقول: قد يوصل التحقيق في هذا الموضوع إلى أشياء كثيرة تكون بمثابة المعجزات فحبذا لو انتدب إنسان نفسه لهذا الموضوع، فبحث عن أصول هذه الكلمات الخمس في لغات بلاد الرافدين، وبحث عن أصولها في لغة العرب، ومن المعروف أن كثيرا من الأقوام التي استوطنت بلاد الرافدين جاءت من جزيرة العرب، ثم بحث في كل ما قدمته الحفريات القديمة والروايات عن الأصنام، فلربما قدم جديدا مفيدا.
٨ - بمناسبة قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً قال ابن كثير: (وروى ابن أبي حاتم ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم امرأة لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل، فلما بلغها الماء صعدت به منكبها، فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها، فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم هذه المرأة» هذا حديث غريب ورجاله ثقات).