للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضروبة حوله وهو يقوم بهذا البلاغ).

(فإذا تجاوزنا هذه الظاهرة التي تبده الحس؛ إلى موضوع السورة ومعانيها واتجاهها فإننا نجدها حافلة بشتى الدلالات والإيحاءات.

إنها ابتداء شهادة من عالم آخر بكثير من قضايا العقيدة التي كان المشركون يجحدونها ويجادلون فيها أشد الجدل، ويرجمون في أمرها رجما لا يستندون فيه إلى حجة، ويزعمون أحيانا أن محمدا صلى الله عليه وسلم يتلقى من الجن ما يقوله لهم عنها! فتجئ الشهادة من الجن أنفسهم بهذه القضايا التي يجحدونها ويجادلون فيها؛ وبتكذيب دعواهم في استمداد محمد من الجن شيئا. والجن لم يعلموا بهذا القرآن إلا حين سمعوه من محمد صلى الله عليه وسلم فهالهم وراعهم ومسهم منه ما يدهش ويذهل، وملأ نفوسهم وفاض حتى ما يملكون السكوت على ما سمعوا، ولا الإجمال فيما عرفوا، ولا الاختصار فيما شعروا. فانطلقوا يحدثون في روعة المأخوذ، ووهلة المشدوه، عن هذا الحدث العظيم، الذي شغل السماء والأرض والإنس والجن والملائكة والكواكب.

وترك آثاره ونتائجه في الكون كله! ... وهي شهادة لها قيمتها في النفس البشرية حتما.

ثم إنها تصحيح لأوهام كثيرة عن عالم الجن في نفوس المخاطبين ابتداء بهذه السورة، وفي نفوس الناس جميعا من قبل ومن بعد؛ ووضع حقيقة هذا الخلق المغيب في موضعها بلا غلو ولا اعتساف. فقد كان العرب المخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر، لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض، فقال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ... ثم بات آمنا! كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به

الكهان فيتنبئون بما يتنبئون. وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين الله نسبا، وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة!

والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية، ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا!!!).

(وقد تكفلت هذه السورة بتصحيح ما كان مشركو العرب وغيرهم يظنونه عن قدرة الجن ودورهم في هذا الكون. أما الذين ينكرون وجود هذا الخلق إطلاقا،

<<  <  ج: ص:  >  >>