إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فالسورة تأمر النذير أن يذكر قصة الجن الذين استمعوا فآمنوا، ثم تأمره أن يعلن مجموعة إعلانات تجدد مهمته وتؤكد عبوديته وبشريته ورسالته، وفي ذلك إقامة حجة على الكافرين.
٢ - قلنا إن محور سورة الجن هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ومما يرجح أن هذا هو محورها شئ من التشابه بينها وبين سورة الأنبياء التي هذا محورها، ففي أواخر سورة الأنبياء يرد قوله تعالى: قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وتبدأ سورة الجن بقوله تعالى:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ... ويرد فيها قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً، وفي أواخر سورة الأنبياء يرد قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ وفي أواخر سورة الجن يرد قوله تعالى: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً إن مثل هذا التشابه يجعلنا نستأنس في أن ما ذهبنا إليه من كون محور سورة الجن هو محور سورة الأنبياء صحيح.
وكما أنه بعد سورة الأنبياء تأتي سورة الحج، وهي مبدوءة ب (يا أيها) فإنه بعد سورة الجن تأتي سورة المزمل وهي مبدوءة ب (يا أيها) وهذا كذلك يرجح أن سورة الجن تفصل في مقدمة سورة البقرة، وأن السورة بعدها تفصل فيما بعد المقدمة.
وصلة سورة الجن بما قبلها من مجموعتها واضحة، فسورة الجن تقدم نموذجا على القبول الراقي للإنذار، بعد أن أرتنا سورة نوح النموذج السيئ للأمة الكافرة الرافضة للإنذار، وهي وما قبلها من مجموعتها مقدمة لسورتي المزمل والمدثر اللتين تحددان الطريق في السلوك والعمل.
وواضح أن السورة تتألف من فقرتين: الفقرة الأولى تنتهي بنهاية الآية (١٩) والفقرة الثانية تنتهي بنهاية الآية (٢٨) وأن بين الفقرتين كمال اتصال كما سنرى.