رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ. ويأتي بعد تلك الآية في سورة البقرة قوله تعالى في وصف الفاسقين: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ويأتي في سورة المدثر:
يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ* ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ والصلة بين هذه الآيات وبين ما ورد في سورة البقرة من حيث إنها تذكر مظاهر الخسران واضحة، ولهذا وذاك قلنا: إن محور سورة المدثر هو محور سورة المائدة، كما أن محور سورة المزمل هو محور سورة النساء.
ولا نعرف تعليلا يعلل لمثل ما ذكرناه هنا سوى هذا التعليل الذي اتجهنا إليه في هذا التفسير، فهذا التشابه الحرفي بين ما ورد في محور هذه السورة من سورة البقرة، وبين ما ورد في سورة المدثر، ووجود مثل سورتي النساء والمائدة وراء بعضهما مبدوءتين ب (يا أيها) وسورتين مثل سورتي الطلاق والتحريم وراء بعضهما مبدوءتين ب (يا أيها)، وسورتين مثل سورتي المزمل والمدثر وراء بعضهما مبدوءتين ب (يا أيها) له سر، وله تعليل، وهذا التفسير هو الذي قدم لمثل هذا تعليلا يقوم عليه الدليل ولله الحمد والمنة.
لقد رأينا أن سورة التحريم تفصل في محور سورة المائدة، وسورة المدثر تفصل في محور سورة المائدة، وكلتاهما ذكرت (المثل) ومحور سورة المائدة من سورة البقرة مذكور فيه المثل، أليس لهذا صلته ببعضه بعضا؟.
لقد رأينا من قبل سورة الأحزاب يتعاقب فيها قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وأثبتنا هناك أن المقطع الذي بدايته (يا أيها النبي) يفصل في محور سورة النساء من سورة البقرة، وأن المقطع الذي بدايته (يا أيها الذين آمنوا) يفصل في محور سورة المائدة، أليس من العجيب أن محور سورة المائدة موجود فيه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا وأنك تجد في سورة الأحزاب بعد مقطع مبدوء ب (يا أيها الذين آمنوا) وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ