للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه السورتان، وقابل تآمر قريش بنفس الوضع فذكر بالسورتين.

والملاحظ أن سورة المزمل ورد فيها قوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا وأن سورة المدثر ورد فيها قوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ... فكأن في سورة المدثر نموذجا للمكذبين أولي النعمة ومواقفهم التي تقتضي أن يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم لله عزّ وجل، وفي بدء سورة المدثر يقول تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ مع وجود قوله تعالى في السورة:

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ... ما يفيد أن الإنذار هو الأصل، وأن من اتصف بخصائص معينة هذا الذي وحده لا ينفع معه الإنذار، ويترك أمره لله يعذبه الله بيده أو بيد المؤمنين أثناء إقامتهم أمر الله بالجهاد والعدل.

نلاحظ أن سورة الحاقة تحدثت عن أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وتحدثت عن المكذبين باليوم الآخر، وأن سورة المعارج تحدثت عن الكافرين وموقف من مواقفهم، وأن سورة نوح حدثتنا عن أمة رفضت الإنذار، وأن سورة الجن حدثتنا عن نفر قبلوا الإنذار، وأن سورة المزمل حددت للنذير ما ينبغي فعله في علاقته مع الله، وفي مواقفه من نوع من الكافرين، وتأتي سورة المدثر لتحدد للنذير أخلاقه التي تقتضيها عملية الإنذار، وموقفه من أنواع من المكذبين، وعرض لحال أهل اليمين ولحال المجرمين في الآخرة، مما يذكرنا بسورة الحاقة، فسورة المدثر تكمل دور سورة المزمل، وهي ترتبط بمجموعتها كلها برباط وثيق، وهكذا نجد المجموعة تتكامل مع بعضها في معانيها، وتتكامل مع بعضها في تفصيلها لمحاورها من سورة البقرة لتفصل في الأساس والطريق.

<<  <  ج: ص:  >  >>