بعهد الله: إنه لدنس الثياب، وإذا وفى وأصلح: إنه لمطهر الثياب، وقال عكرمة والضحاك: لا تلبسها على معصية. وقال الشاعر:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
(وقال العوفي عن ابن عباس: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ يعني: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائل، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصية، وقال محمد ابن سيرين: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ أي: اغسلها بالماء، وقال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه، وهذا القول اختاره ابن جرير، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب، فإن العرب تطلق الثياب عليه كما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال سعيد بن جبير وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ: وقلبك ونيتك فطهر، وقال محمد ابن كعب القرظي والحسن البصري: وخلقك حسن).
أقول: وبعضهم فسر تطهير الثياب بتقصيرها؛ لأن من أطالها فقد عرضها للإصابة، وبعد كلام طويل عن هذه الآية قال الألوسي:(وجوز أن يراد بالتطهير إزالة ما يستقذر مطلقا، سواء النجس أو غيره من المستقذر الطاهر، ومنه الأوساخ، فيكون ذلك أمرا له صلى الله تعالى عليه وسلم بتنظيف ثيابه، وإزالة ما يكون فيها من وسخ وغيره من كل ما يستقذر، فإنه منفر لا يليق بمقام البعثة، ويستلزم هذا بالأولى تنظيف البدن من ذلك، ولذا كان صلى الله تعالى عليه وسلم أنظف الناس ثوبا وبدنا، وربما يقال باستلزام ذلك بالأولى- أيضا- الأمر بالتنزه عن المنفر القولي والفعلي، كالفحش والفظاظة والغلظة إلى غير ذلك فلا تغفل).
٢ - بمناسبة قوله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ قال صاحب الظلال: (وهو سيقدم الكثير، وسيبذل الكثير، وسيلقى الكثير من الجهد والتضحية والعناء. ولكن ربه يريد منه ألا يظل يستعظم ما يقدمه ويستكثره ويمنن به ... وهذه الدعوة لا تستقيم في نفس تحس بما تبذل فيها. فالبذل فيها من الضخامة بحيث لا تحتمله النفس إلا حين تنساه. بل حين لا تستشعره من الأصل لأنها مستغرقة في الشعور بالله؛ شاعرة بأن