رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه، وقال لي سعيد: وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه فأنزل الله عزّ وجل لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أي: فاستمع له وأنصت ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه. وقد رواه البخاري ومسلم من غير وجه عن موسى بن أبي عائشة به. ولفظ البخاري:
«فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عزّ وجل» وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى أوله ويحرك به شفتيه؛ خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره، فأنزل الله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ وهكذا قال الشعبي والحسن البصري وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد: إن هذه الآية نزلت في ذلك).
٤ - بمناسبة قوله تعالى عن الروح: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ قال الألوسي: (والذي عليه جمهور الأمة سلفا وخلفا أن النفس- وهي الروح الأمرية-: جسم لطيف جدا ألطف من الضوء عند القائل بجسميته، والنفس الحيوانية مركب لها، وهي سارية في البدن نحو سريان ماء الورد في الورد، والنار في الفحم، وسريان السيال الكهربائي عند القائل به في الأجسام، والأدلة على جسميتها كثيرة، وقد استوفاها الشيخ ابن القيم في كتاب الروح وأتى فيه بالعجب).
أقول: هذا نموذج من كلام علمائنا الأقدمين على التفريق بين الحياة والروح، فالجنين قبل نفخ الروح فيه حي، وبعد نفخ الروح فيه تصبح شخصيته مستقلة فيها حياة ولها روح، والإنسان بعد وفاته قد تبقى بعض أجزائه حية إلى أمد ولكن لا روح فيها.
٥ - بمناسبة قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ قال ابن كثير: أي: تراه عيانا كما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه: «إنكم سترون ربكم عيانا». وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عزّ وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها، لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين: أن ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة! فقال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟» قالوا: لا، قال:«إنكم ترون ربكم كذلك». وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر