بالرعاية الكاملة، فكم من إنسان لا تعطيه أهمية ويكون خيرا من مئات من الناس الذين يظن فيهم الخير، ثم لا يخرج منهم شئ كثير.
٢ - علق صاحب الظلال تعليقات طويلة على قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى ... ونقتطف من كلامه ما يلي: (ولقد انفعلت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا التوجيه، ولذلك العتاب. انفعلت بقوة وحرارة، واندفعت إلى إقرار هذه الحقيقة في حياته كلها، وفي حياة الجماعة المسلمة بوصفها هي حقيقة الإسلام الأولى.
وكانت الحركة الأولى له صلى الله عليه وسلم هي إعلان ما نزل له من التوجيه والعتاب في الحادث. وهذا الإعلان أمر عظيم رائع حقا. أمر لا يقوى عليه إلا رسول، من أي جانب نظرنا إليه في حينه.
نعم لا يقوى إلا رسول على أن يعلن للناس أنه عوتب هذا العتاب الشديد، بهذه الصورة الفريدة في خطإ أتاه! وكان يكفي لأي عظيم- غير الرسول- أن يعرف هذا الخطأ وأن يتلافاه في المستقبل. ولكنها النبوة. أمر آخر. وآفاق أخرى!
لا يقوى إلا رسول على أن يقذف بهذا الأمر هكذا في وجوه كبراء قريش في مثل تلك الظروف التي كانت فيها الدعوة، مع أمثال هؤلاء المستعزين بنسبهم وجاههم ومالهم وقوتهم، في بيئة لا مكان فيها لغير هذه الاعتبارات، إلى حد أن يقال فيها عن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم:«لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم!» ... وهذا نسبه فيهم، لمجرد أنه هو شخصيا لم تكن له رئاسة فيهم قبل الرسالة!
ثم إنه لا يكون مثل هذا الأمر في مثل هذه البيئة إلا من وحي السماء. فما يمكن أن ينبثق هذا من الأرض ... ومن هذه الأرض بذاتها في ذلك الزمان!!
وهي قوة السماء التي دفعت مثل هذا الأمر في طريقه؛ فإذا هو ينفذ من خلال نفس النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيئة من حوله؛ فيقرر فيها بعمق وقوة واندفاع، يطرد به أزمانا طويلة في حياة الأمة المسلمة.
لقد كان ميلادا جديدا للبشرية كميلاد الإنسان في طبيعته، وأعظم منه خطرا في قيمته ... أن ينطلق الإنسان حقيقة- شعورا وواقعا- من كل القيم المتعارف عليها في الأرض، إلى قيم أخرى، تتنزل له من السماء منفصلة منعزلة عن كل ما في الأرض من