الظروف الملائمة للحياة والغذاء- بإذن ربها- وما تزال كذلك حتى تنتهي إلى المخرج، فتذوق من المخاض- إلى جانب ما تذوقه الوالدة- ما تذوق. وما يكاد الجنين يرى النور حتى يكون قد ضغط ودفع حتى كاد يختنق في مخرجه من الرحم!.
ومنذ هذه اللحظة يبدأ الجهد الأشق والكبد الأمر. يبدأ الجنين ليتنفس هذا الهواء الذي لا عهد له به، ويفتح فمه ورئتيه لأول مرة ليشهق ويزفر في صراخ يشي بمشقة البداية! وتبدأ دورته الهضمية ودورته الدموية في العمل على غير عادة! ويعاني في إخراج الفضلات حتى يروض أمعاءه على هذا العمل الجديد! وكل خطوة بعد ذلك كبد، وكل حركة بعد ذلك كبد. والذي يلاحظ الوليد عند ما يهم بالحبو وعند ما يهم بالمشي يدرك كم يبذل من الجهد العنيف للقيام بهذه الحركة الساذجة.
وعند بروز الأسنان كبد. وعند انتصاب القامة كبد. وعند الخطو الثابت كبد.
وعند التعلم كبد. وعند التفكر كبد. وفي كل تجربة جديدة كبد كتجربة الحبو والمشي سواء!.
ثم تفترق الطرق، وتتنوع المشاق، هذا يكدح بعضلاته. وهذا يكدح بفكره.
وهذا يكدح بروحه. وهذا يكدح للقمة العيش وخرقة الكساء. وهذا يكدح ليجعل الألف ألفين وعشرة آلاف ... وهذا يكدح لملك أو جاه، وهذا يكدح في سبيل الله.
وهذا يكدح لشهوة ونزوة. وهذا يكدح لعقيدة ودعوة. وهذا يكدح إلى النار. وهذا يكدح إلى الجنة .. والكل يحمل حمله ويصعد الطريق كادحا إلى ربه فيلقاه! وهناك يكون الكبد الأكبر للأشقياء. وتكون الراحة الكبرى للسعداء).
٣ - بمناسبة قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال ابن كثير: (وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصي عددها، ولا تطيق شكرها، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاء فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عينيك غطاءهما، وجعلت لك لسانا، وجعلت له غلافا فانطق بما أمرتك وأحللت لك فإن عرض عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك.
وجعلت لك فرجا وجعلت لك سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك فإن عرض عليك