للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى فقدت روحها وشكلها، فلو بعث أصحابها الأولون لم يعرفوها، وأصبحت مهود الحضارة، والثقافة، والحكم، والسياسة مسرح الفوضى والانحلال والاختلال وسوء النظام وعسف الحكام، وشغلت بنفسها، لا تحمل للعالم رسالة، ولا للأمم دعوة، وأفلست في معنوياتها، ونضب معين حياتها، لا تملك مشرعا صافيا من الدين السماوي، ولا نظاما ثابتا من الحكم البشري).

أقول: وكان هذا سيستمر ولم يكن هناك من مخرج إلا مخرج واحد هو أن يبعث الله رسولا بكتاب لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً وقد أرسل الله الرسول، وأنزل الكتاب فكان بعد ذلك ما كان.

٣ - وجدنا أن المراد بقوله تعالى في السورة: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ هو تفرقهم بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، وهو توجيه النسفي للآية. وعلى هذا فيكون المعنى أن التفرق الحقيقي إنما كان بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن فرقتهم السابقة لم تكن في شيء؛ لأنهم جميعا كفار، وقد وجه ابن كثير الآيات توجيها آخر، ونحن نرجح توجيه النسفي وهو الذي اعتمدناه.

٤ - حدد قوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ مضمون دعوات الأنبياء عليهم السلام. فالاختلاف والخلاف في مثل هذه الأصول هو الذي لا يسع أحدا، أما الاختلاف في فرعيات من الصلاة والزكاة كالاختلاف بين شافعي وحنفي فذلك شئ آخر، والعجيب أن بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، وبعض الطوائف التي تزعم أنها مسلمة تعبد غير الله، ولا تصلي الصلوات الخمس، ولا تزكي الزكاة المعروفة. ومع هذا فإنها تعتبر أن مخالفتها في هذا شبيهة باختلافات الشافعية والحنفية في أمر فرع من فروع الشريعة وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ* قال ابن كثير: (جاء في الحديث المروي من طرق: «إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى اختلفوا على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»).

٥ - قال تعالى في السورة: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً

<<  <  ج: ص:  >  >>