أقول: وإذن فالفهم البديهي للسورة هو ما فهمه عامة الصحابة، وبعد ذلك فهوم دقيقة لا تلغي الفهم الأول، ولكن تدل على أن في السورة معاني أخرى يفطن لها من آتاه الله عزّ وجل خصوصية فهم، وذلك شأن القرآن كله، يفهم منه العامة ما يفهمون، وللخواص فهوم دقيقة لا تلغي الفهوم الصحيحة الأخرى، ولكن تزيد عليها، وذلك من عجائب هذا القرآن ومظاهر إعجازه.
٣ - رأينا في الفائدتين السابقتين أن في السورة بشارة بالفتح والنصر، وعلامة على الأجل. وكل ذلك قد حصل فكان في ذلك معجزتان من معجزات هذا القرآن زائدتان على الإعجاز العام، إذ هما معجزتان في شأن من شئون المستقبل، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل ويستبشر بعدها.
قال ابن كثير:(روى النسائي عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ إلى آخر السورة قال نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:«جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن» فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال:
٤ - مما استدل به على أن المراد بالفتح في السورة فتح مكة استعمال الرسول صلى الله عليه وسلم تعبير الفتح خاصة في فتح مكة، من ذلك قوله عليه السلام:«لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
٥ - من مظاهر التطبيق العملي لهذه السورة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ما ذكرته النصوص التالية:
روى البخاري عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به وروى الإمام أحمد عن مسروق قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره، إنه كان توابا فقد رأيتها إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ