للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية، وصف شأنه، وعدله. ثم علم المؤمنين أن يدعوه بما يناسب مقامهم، وجلاله. قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. أي: لا يكلف الله أحدا فوق طاقته. وهذا من لطفه تعالى بخلقه، ورأفته بهم، وإحسانه إليهم. فتكليفه لا يكون إلا ضمن القدرة، والطاقة بما يتيسر على الإنسان فعله، دون مدى غاية الطاقة والمجهود وهذا النص هو المبين، أو الناسخ لقوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ. كما رأينا. أي: هو- جل جلاله- وإن حاسب، وسأل، ولكن- لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه. فأما ما لا يملك الإنسان دفعه من وسوسة النفس، والشيطان، وحديثهما، فهذا لا يكلف به الإنسان. ولكنه يكلف برد ذلك، وعدم قبوله، وكراهيته. وهذا ضمن وسعه. والصلة بين هذا النص، وما قبله، واضحة. فالمؤمنون قاموا بحق ربهم. وربهم لم يكلفهم إلا ضمن طاقتهم. فلم يقوموا بحق الله لولا لطفه بهم. ولو شاء لأعنتهم. ولكنه رحيم، لطيف. ثم بين الله عزّ وجل عدله في معاملة أنفس عباده، فقال: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أي: لها ما كسبت من خير. وعليها ما اكتسبت من شر. وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. وإذ بين الله عزّ وجل لطفه، وعدله، أرشد عباده إلى سؤاله. وتكفل لهم بالإجابة. فعلمهم أن يقولوا: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. أي:

لا تؤاخذنا إن تركنا فرضا أو أمرا على جهة السهو أو النسيان. أو أخطأنا الصواب في العمل جهلا منا، أو من غير قصد منا ووقعنا في محظور.

رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. الإصر: هو العبء يأصر صاحبه. أي: يحبسه في مكانه لثقله. فصار المعنى: لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا، من الأغلال، والآصار التي كانت عليهم.

رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. أي: من التكاليف، والمصائب، والبلاء.

لا تبتلنا بما لا قبل لنا به.

وَاعْفُ عَنَّا. أي: امح سيئاتنا بيننا وبينك، ومما تعلمه من تقصيرنا وزللنا وَاغْفِرْ لَنا. أي: واستر ذنوبنا فيما بيننا وبين عبادك. فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة. وَارْحَمْنا. بأن توفقنا فيما يستقبل فلا توقعنا بذنب آخر. وارحمنا بأن تثقل ميزاننا مع إفلاسنا. ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه، وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>