والآن نريد أن نذكر لك شيئا جديدا حول الوحدة القرآنية لم نذكره من قبل: إن مقدمة سورة البقرة هي محور سورة آل عمران كما ذكرنا، ولكن مقدمة سورة البقرة لها امتداداتها في سورة البقرة نفسها، فمثلا في مقدمة السورة ورد قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. ومن امتدادات هذا المعنى قوله تعالى: ... وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ. ومن امتداداته أيضا قوله تعالى:
وفي مقدمة السورة ورد قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ... ومن امتدادات هذا المعنى قوله تعالى: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ. وقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ .... وإذن ففي سورة البقرة نفسها آيات تفصل آيات. فإذا اتضح ذلك فلنقل كلمة أخرى سيأتي دليلها: إن سورة آل عمران محورها مقدمة سورة البقرة، ولكنها تفصل وتبني على المحور وامتداداته. ومن ثم فإن الحوار الذي جرى في سورة البقرة مع أهل الكتاب- في دعوتهم إلى الإيمان- نجد في موضوعه- قسما برأسه في آل عمران، ومبنيا على الحوار الذي تم في سورة البقرة. فمثلا: في سورة البقرة كلام عن النسخ. وفي سورة آل عمران ضرب مثل على نوع من النسخ حدث في حياة يهود:
إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ. وقال تعالى في سورة البقرة: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وفي سورة آل عمران: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا. وهكذا نجد أن سورة آل عمران تفصيل لمقدمة سورة البقرة، وامتداد معاني المقدمة في السورة كلها. فالأمر بالنسبة للوحدة القرآنية أوسع مما صورناه مبسطين في أول هذا التفسير، وهو شئ لا ينقضي منه العجب كما سنرى.
وحتى الآن نعتبر أن كل ما قلناه دعوى وعلينا أن نقيم عليها البرهان، ونكمل دعوانا فنقول: إن سورة آل عمران تنقسم إلى خمسة أقسام، واضحة المعالم، وقد دلنا على ذلك:
المعاني، وبعض المعالم. فالقسمان الأولان نهايتهما متشابهة، والقسم الثالث نهايته