للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - هناك خلاف كثير، وكلام كثير حول تفسير المتشابه وأمثلته، وحول كون الراسخين في العلم يعلمونه أو لا يعلمونه، وننقل مجموعة نقول تفيد في عمق الفهم:

أ- روى ابن مردويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به». وروى أبو يعلى الموصلي عن أبي سلمة قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر- قالها ثلاثا- ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه- جل جلاله-». قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح، ولكن فيه علة بسبب قول الراوي لا أعلمه إلا عن أبي هريرة.

في هذين النصين تعريف بالموقف السليم من كتاب الله، فما اتضح لك وضوح الشمس فاعمل به، وما اشتبه عليك فسلم لله فيه. روى الإمام أحمد: «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارءون، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله ليصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا به، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه».

ب- روى مجاهد عن ابن عباس وعائشة وعروة وغيرهم: «التفسير على أربعة أنحاء، فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلا الله» ومن العلماء من قال: التأويل يطلق ويراد في القرآن على معنيين، أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشئ وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ. (سورة يوسف) وقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ (سورة الأعراف) أي: حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتأويل هذا فهذا لا يعلمه إلا الله، وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر: وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشئ كقوله نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ (سورة يوسف) أي: بتفسيره، فهذا يعرفه الراسخون في العلم، لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، ويدل على ذلك أنه ما من شئ في كتاب الله إلا وفسره المفسرون أو قالوا فيه، كل على حسب ما أعطاه الله- عزّ وجل- من دقة الفهم وسعة العلم.

ج- من أمثلة المتشابه في القرآن: الحروف المقطعة في أوائل السور- قاله مقاتل ابن حيان- ومن أمثلة ذلك بعض آيات الصفات- قاله بعض علماء التوحيد- وللمفسرين اتجاهات كثيرة في تفسير المحكم والمتشابه، وما ذكرناه فيه كاف لإدراك الموقف الحق في هذا الموضوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>