فهو منهي عنه ولو مع أهل الذمة، لا سيما إذا أوقع شيئا في قلوب ضعفاء المؤمنين، ولا أرى القيام لأهل الذمة في المجلس إلا من الأمور المحظورة لأن دلالته على التعظيم
قوية وجعله من الإحسان لا أراه من الإحسان كما لا يخفى» اهـ كلام الألوسي.
أقول: هذه الأمور فيها خلاف كثير، ولا بد من التفريق بين الفتوى والورع، ولا بد من التفريق بين حال قوة المسلمين وضعفهم، ولا بد من معرفة أن هناك حدا أعلى طمح إليه الفقهاء، وأن هناك حدا أدنى من أقوال الفقهاء المعتمدين. هو الذي لا يصح الخروج عليه أو النزول عنه، وعلى ضوء ذلك ينبغي أن ننظر إلى ما نقرؤه في كتب الفقه أو في كتب التفسير أو كتب شروح السنة.
والذي أراه في أحوالنا المعاصرة: أن الحركة الإسلامية في عصرنا ينبغي أن تكون دقيقة في تربيتها لعناصرها، وواسعة الأفق في موضوع الطروح السياسية، فتربي عناصرها على الوضع الأكمل والأورع وعلى ما هو الأصل في الأحكام، وتتبنى في مواقفها السياسية ما هو الأصلح والأنسب لعصرنا من مجموع أقوال العلماء أهل الفتوى البصيرة، بما يسع أوضاع عصرنا.
لقد نص كثيرون ممن تكلموا في الأحكام السلطانية على أنه يجوز أن يتولى أهل الذمة وزارة التنفيذ لا التفويض.
ولقد نص فقهاء الحنفية على أنه يجوز بدأ الذمي بالسلام إذا كانت لك إليه حاجة، كما نصوا على جواز القيام للذمي إذا ترتب على ترك القيام له ضرر، وأجازوا مخاطبة الناس بألقابهم الرسمية ما لم يترتب على ذلك إثم إذا كان ترك الخطاب باللقب يترتب عليه ضرر.
وهكذا نجد مثل هذه التفريعات التي ألجأت إليها مسيرة التاريخ الإسلامي وأوضاع المسلمين.
والذي أقوله: إن حق التربية يقتضي منا أن نربي على العزائم والورع، وحق المعركة يقتضي منا أن نختار من أقوال الأئمة ما تقتضيه ظروف معركتنا المعاصرة.
والأمر دقيق وسيأتي في هذا التفسير ما يوضح مثل هذه الشئون وغيرها وأدلة ذلك.
٥ - عند قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قال الألوسي: