خلالها أن نرجح بعض ما اختلف فيه في موضوع المتشابه والمحكم.
على أنه إذا اعتبرنا أن واقع المسلمين الحالي يفرض علينا ألا نتوسع في موضوع الكلام عن المتشابه والمحكم، فإن واقع المسلمين الحالي والمستقبلي، يفرض علينا أن نقول كلمة حول الحدود التي يسع الدولة الإسلامية أن تتدخل فيها في أمور الاختلافات فترجح أو تعاقب.
الذي يبدو لي من خلال دروس التاريخ، وبسبب من المآسي التي حدثت لعلماء أجلاء، أن على الحكومة الإسلامية في المستقبل أن تعطي حرية التحقيق العلمي لجميع المسلمين، وأن تعتمد التقنين في القضايا الفقهية وتفرض ما تراه مناسبا من مجموع آراء الأئمة على ضوء الشورى، وألا تعاقب على رأي إسلامي إلا إذا أجمع المعتمدون من أهل المذاهب الأربعة والمعتمدون من أهل الحديث على استحقاق صاحبه للعقوبة.
وإنما اشترطت للعقوبة إجماع المعتمدين من أهل الفتوى من المذاهب الأربعة وأهل الحديث بآن واحد، لأنني وجدت أن أهل الحديث يتسرعون لو كان بيدهم سلطة في عقوبة المخالف، وكذلك أهل المذاهب، فمثلا لو أن إنسانا أول حديث النزول الذي ذكرناه أثناء التفسير، لكان مستحقا للعقوبة عند بعض أهل الحديث، مع أن رواية النسائي التي يقول عنها القرطبي بأنه قد صححها أبو محمد عبد الحق تقول «إن الله- عزّ وجل- يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول: هل من داع
يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى».
إن هذه الرواية تصلح مستندا لأهل التأويل لحديث النزول فلا أقل من أن يرفع عنهم استحقاق العقوبة، وما جرى لابن تيمية لا يخفى. مما لا يصلح أن يتكرر مرة ثانية إنني أعتبر أن الوصول إلى قاعدة يتفق عليها الجميع، في شأن موقف الحكم الإسلامي من موضوع التحقيق العلمي، هو الأهم الآن بالنسبة لسير الحركة الإسلامية.
وأن على القائمين على الحركة الإسلامية، أن يحتفظوا لأنفسهم بكثير من قناعاتهم العلمية لصالح معركة المسلمين مع خصومهم، وأن على جميع المسلمين أن يوفقوا بين حق المعركة، وحق الدعوة، وحق العلم، وحق التربية، وهو موضوع دقيق فصلنا فيه في غير هذا المكان.
وما ذكرته في هذا الفصل لا يخرج عن كونه اقتراحا، وعلينا أن نصل في شأنه إلى