للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه» وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس ابن العشيرة- أو أخو العشيرة- ثم أذن فألان له القول، فلما خرج قلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول؟ فقال يا عائشة إن من أشر الناس من يتركه الناس أو يدعه الناس اتقاء فحشه» وفي البخاري عن أبي الدرداء «إنا لنبش في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم» وفي رواية الكشميهني «وإن قلوبنا لتقليهم» وفي رواية ابن أبي الدنيا.

وإبراهيم الحرمي بزيادة «ونضحك إليهم» إلى غير ذلك من الأحاديث لكن لا تنبغي المداراة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر.

ووراء هذا التحقيق قولان لفئتين متباينتين من الناس. وهم الخوارج والشيعة: أما الخوارج فذهبوا إلى أنه لا تجوز التقية بحال ولا يراعى المال وحفظ النفس والعرض في مقابلة الدين أصلا، ولهم تشديدات في هذا الباب عجيبة. منها أن أحدا لو كان يصلي وجاء سارق أو غاصب ليسرق أو يغصب ماله لا يقطع الصلاة بل يحرم عليه قطعها

وطعنوا على بريدة الأسلمي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب أنه كان يحافظ على فرسه في صلاته كيلا يهرب، ولا يخفى أن هذا المذهب من التفريط بمكان، وأما الشيعة فكلامهم مضطرب في هذا المقام فقال بعضهم: إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح ولا تجوز في الأفعال كقتل المؤمن ولا فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه إفساد في الدين؛ وقال المفيد: إنها قد تجب أحيانا وقد يكون فعلها في وقت أفضل من تركها وقد يكون تركها أفضل من فعلها، وقال أبو جعفر الطوسي: إن ظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس، وقال غيره: إنها واجبة عند الخوف على المال أيضا ومستحبة لصيانة العرض، حتى يسن لمن اجتمع مع أهل السنة، أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به، ورووا عن بعض أئمة أهل البيت من صلى وراء سني تقية فكأنما صلى وراء نبي.

وفي وجوب قضاء تلك الصلاة عندهم خلاف، وكذا في وجوب قضاء الصوم على من أفطر تقية حيث لا يحل الإفطار قولان أيضا، وفي أفضلية التقية من سني واحد صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن خلاف أيضا، وأفتى كثير منهم بالأفضلية. ومنهم من ذهب إلى جواز- بل وجوب- إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، ولا يخفى أنه من الإفراط بمكان، وحملوا أكثر أفعال الأئمة مما يوافق مذهب أهل السنة ويقوم به الدليل على رد مذهب الشيعة على التقية وجعلوا هذا أصلا عندهم وأسسوا عليه دينهم- وهو الشائع

<<  <  ج: ص:  >  >>