للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الثاني: أن الأغراض الخاصة التي يحب المفسر أن يحققها في تفسيره عليه أن يبذل جهدا خاصا من أجلها، حتى إنه ليحتاج أن يقرأ مئات الصفحات، من أجل أن يغطي نقطة صغيرة جدا. ولم يكن باختياري أنني لتحقيق النوع الأول اعتمدت في الابتداء على تفسيرين فقط هما: تفسير ابن كثير وتفسير النسفي، إذ لم يتوفر لي في سجني في المرحلة التي ابتدأت فيها العمل إلا هذان التفسيران، وهما تفسيران مشهوران يغلب على الأول التفسير بالمأثور، ويغلب على الثاني قضايا التحقيق المختصر لأمور اعتقادية أو مذهبية، مع محاولة كل من التفسيرين أن يغطي المعنى الحرفي لآيات القرآن الكريم، فأقبلت على هذين التفسيرين محاولا من خلالهما أن أغطي المعاني الحرفية لكتاب الله تعالى، وأحيانا المعاني الإجمالية، ومحققا خلال ذلك ما أستطيع تحقيقه من أغراض هذا التفسير، على أن أكمل فيما بعد- إذا تغيرت ظروفي- كل ما استهدفته من هذا التفسير. ولقد حاولت في المرحلة الأولى من العمل أن أضمن هذا التفسير خلاصة التفسيرين ومجمل الفوائد الموجودة فيهما تاركا ما لا يتفق وأهداف هذا التفسير، وكنت أرى حرص الكثيرين من المسلمين على استيعاب تفسير ابن كثير، ولم أزل أرى فشل الكثيرين في استيعاب هذا التفسير، بسبب هو ميزة في حق العالم، ومتعب في حق الرجل العادي، وهو ذكر ابن كثير للأسانيد والروايات المتعددة والأقوال الكثيرة في الموضوع الواحد، ومن ثم فقد حاولت أن أريح القارئ العادي من مثل هذا فأخذت خلاصة ما في هذا التفسير من معان إجمالية، أو معان حرفية، أو فوائد مذكورة فيه؛ حتى إنه ليستطيع قارئ تفسيري هذا أن يطمئن إلى أنه أخذ تفسير ابن كثير دون ما يمله الرجل العادي منه، مضافا إليه تحقيقات وفوائد كثيرة مبثوثة في تفسير النسفي، حتى ليكاد أن يكون هذا التفسير كذلك مستوعبا الكثير مما هو موجود في تفسير النسفي، تاركا نقل أمور كثيرة لا تتمشى مع أهداف هذا التفسير؛ فكانت هذه القضايا ميزة لهذا التفسير، ولكنها ميزة لم تكن مستهدفة في الأصل، ومن خلال هذين التفسيرين وضعت الأساس الذي بنيت عليه هذا التفسير، ثم بعد ذلك بدأ العمل الذي تم به هذا التفسير كما يراه القارئ.

وسيرى القارئ أنني كعادتي في كل ما أجمعه، لا أكلف نفسي عناء صياغة شئ يحتاجه كتابي، إذا كان غيري قد صاغه الصياغة التي أرضاها، أو التي تقصر عنها صياغتي أصلا. فليس الهدف إلا وجه الله عزّ وجل، وما سوى ذلك فإنني أرجو أن أتجاوزه. ولم يزل علماؤنا ينقلون في كتبهم الفصول الطويلة، وأحيانا لا ينسبونها إلى أصحابها، معتمدين فكرة أن أي تجديد في علم أو فن تعطي صاحبه حق النقل دون

<<  <  ج: ص:  >  >>