ولو كان هو انقسام الصف، كما وقع في «أحد» والعدو على الأبواب .. لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ. ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق!.
على أن الصورة الحقيقة للنظام الإسلامي لا تكمل حتى نمضي مع بقية الآية؛ فنرى أن الشورى لا تنتهي أبدا إلى الأرجحة والتعويق، ولا تغني كذلك عن التوكل على الله في نهاية المطاف: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ..
إن مهمة الشورى هي تقليب أوجه الرأي، واختيار اتجاه من الاتجاهات المعروضة.
فإذا انتهى الأمر إلى هذا الحد، انتهى دور الشورى وجاء دور التنفيذ .. التنفيذ في عزم وحسم، وفي توكل على الله، يصل الأمر بقدر الله، ويدعه لمشيئته تصوغ العواقب كما تشاء ..
وكما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم درسه النبوي الرباني، وهو يعلم الأمة الشورى، ويعلمها إبداء الرأي، واحتمال تبعته بتنفيذه في أخطر الشئون وأكبرها .. كذلك ألقى عليها درسه الثاني في المضاء بعد الشورى، وفي التوكل على الله، وإسلام النفس لقدره- على علم بمجراه واتجاهه- فأمضى الأمر في الخروج، ودخل بيته فلبس درعه ولأمته- وهو يعلم إلى أين هو ماض، وما الذي ينتظره وينتظر الصحابة معه من آلام وتضحيات .. وحتى حين أتيحت فرصة أخرى بتردد المتحمسين، وخوفهم من أن يكونوا استكرهوه صلى الله عليه وسلم على ما لا يريد، وتركهم الأمر له ليخرج أو يبقى .. حتى حين أتيحت هذه الفرصة لم ينتهزها ليرجع؛ لأنه أراد أن يعلمهم الدرس كله. درس الشورى. ثم العزم والمضي.
مع التوكل على الله والاستسلام لقدره. وأن يعلمهم أن للشورى وقتها، ولا مجال بعدها للتردد، والتأرجح، ومعاودة تقليب الرأي من جديد. فهذا مآله الشلل والسلبية، والتأرجح الذي لا ينتهي .. إنما هو رأي وشورى. وعزم ومضاء. وتوكل على الله، يحبه الله» اهـ.
٣ - ذكر ابن كثير أمثلة كثيرة عن استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه كاستشارته لهم يوم بدر، ويوم الخندق، ويوم الحديبية، وحالات أخرى ثم قال:
فكان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب، ونحوها. وقد اختلف الفقهاء هل كان ذلك واجبا عليه أم من باب الندب تطييبا لقلوبهم؟ على قولين. ونقول: إن الأصل في الأمر أن يكون للوجوب، إلا إذا وجد صارف، ولا صارف هنا، خاصة وأن قوله تعالى في