الحكمة في قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هو تعميم التوجيه لكل من أصبح من هذه الأمة؛ إذ من أصبح من هذه الأمة كان له شرف النسبة إلى الرسول العربي، وشرف النسبة إلى جيل هذه الأمة الأول وهو عربي عامة.
وعلى كل الأحوال فالمنة ظاهرة على العرب ببعثة هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وبمناسبة هذه الآية يقول صاحب الظلال: كان الإسلام بخصائصه هذه هو «بطاقة الشخصية» التي تقدم بها العرب للعالم، فعرفهم، واحترمهم، وسلمهم القيادة. وهم اليوم وغدا لا يحملون إلا هذه البطاقة. ليست لهم رسالة غيرها يتعرفون بها إلى العالم. وهم إما أن يحملوها فتعرفهم البشرية وتكرمهم؛ وإما أن ينبذوها فيعودوا هملا- كما كانوا- لا يعرفهم أحد، ولا يعترف بهم أحد! وما الذي يقدمونه للبشرية حين لا يتقدمون إليها بهذه الرسالة؟ يقدمون لها عبقريات في الإنتاج الصناعي المتفوق، تنحني له الجباه، ويغرقون به أسواقها، ويغطون به ما عندها من إنتاج؟ لقد سبقتهم شعوب كثيرة، في يدها عجلة القيادة في هذا المضمار!.
يقدمون لها فلسفة مذهبية اجتماعية، ومناهج اقتصادية وتنظيمية من صنع أيديهم، ومن وحي أفكارهم البشرية؟ إن الأرض تعج بالفلسفات والمذاهب والمناهج الأرضية.
وتشقى بها جميعا غاية الشقاء!
ماذا إذن يقدمون للبشرية لتعرفهم به، وتعترف لهم بالسبق والتفوق والامتياز؟
لا شئ إلا هذه الرسالة الكبيرة. لا شئ إلا هذا المنهج الفريد. لا شئ إلا هذه المنة التي اختارهم الله لها، وأكرمهم بها، وأنقذ بها البشرية كلها على أيديهم ذات يوم.
والبشرية اليوم أحوج ما تكون إليها، وهي تتردى في هاوية الشقاء، والحيرة والقلق والإفلاس!
إنها- وحدها- بطاقة الشخصية التي تقدموا بها قديما للبشرية فأحنت لها هامتها.
والتي يمكن أن يقدموها لها اليوم، فيكون فيها الخلاص والإنقاذ.
إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة. وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة. هي التي تقدم أكبر منهج. وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة.
والعرب يملكون هذه الرسالة- وهم فيها أصلاء، وغيرهم من الشعوب هم