وعلى النحو الذي بيناه في مطالع الكلام عن سورة البقرة» اهـ.
ويقول الألوسي عن وجه مناسبة مجيء سورة النساء بعد آل عمران:
(ووجه مناسبتها لآل عمران أمور، منها أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى، وافتتحت هذه السورة به، وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور، وهو نوع من أنواع البديع يسمى في الشعر تشابه الأطراف وقوم يسمونه بالتسبيغ، وذلك كقول ليلى الأخيلية:
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة رواها
رواها فأرواها بشرب سجالها ... دماء رجال حيث نال حشاها
ومنها أن في آل عمران ذكر قصة أحد مستوفاة، وفي هذه السورة ذكر ذيلها، وهو قوله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ فإنه نزل فيما يتعلق بتلك الغزوة على ما ستسمعه- إن شاء الله تعالى- مرويا عن البخاري، ومسلم، وغيرهما. ومنها أن في آل عمران ذكر الغزوة التي بعد أحد كما أشرنا إليه في قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ الخ ..
وأشير إليها هاهنا بقوله سبحانه: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ الآية. وبهذين الوجهين يعرف أن تأخير النساء عن آل عمران أنسب من تقديمها كما في مصحف ابن مسعود لأن المذكور هنا ذيل لما ذكر هناك وتابع فكان الأنسب في التأخير، ومن أمعن نظره وجد كثيرا مما ذكر في هذه السورة مفصلا لما ذكر فيما قبلها فحينئذ يظهر مزيد الارتباط وغاية الاحتباك) اهـ.
أقول: ما قاله الألوسي عن صلة آل عمران بسورة النساء نموذج لأقوال المفسرين حول الصلات بين السور، من محاولة ربط بين نهاية السور السابقة وبداية السور اللاحقة أو محاولة بحث عن وحدة موضوعية بين مواضيع السور عامة، والشئ الذي نحاول التدليل عليه في هذا التفسير هو أن الصلة بين السور تنتظمها قواعد أخرى وفيها أسرار أدق، وسيتضح هذا من خلال هذا التفسير، وقد لا ينتهي القارئ من قراءة ما ذكرناه حول السبع الطوال إلا ويتيقن ذلك وسيزداد يقينا كلما سار في هذا التفسير إن شاء الله.
لقد رأينا أن الآيات الأولى في سورة البقرة بدأت ب الم وانتهت بقوله تعالى وَأُولئِكَ