ولنضرب الآن مثالين على هذا التفصيل بمعناه الواسع، وهما مثالان على الصلة أيضا بين سورة النساء وما هو بمعناها في سورة البقرة مما له ارتباط بآيات المحور.
١ - مر معنا في سورة البقرة عن ابن عباس قوله: لما نزلت إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً. الآية (وهي من سورة النساء): انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله:
إن آية النساء سبقت آية البقرة، وآية البقرة أخرجت من أكل أموال اليتامى، تلك الحالة التي تقتضيها العشرة والمصلحة، ولكن آية النساء تبقى تفصيلا في هذا الموضوع، تراعي فيه قضية الخلطة. فليتذكر دائما المخالط ألا تكون الخلطة إلا لصالح اليتيم، وفي حدود رفع الحرج، وألا تصل المسألة إلى حد أكل مال اليتيم، فإن الجزاء فظيع.
فآية النساء من هذا الباب تفصيل لهذا الموضوع في قضية التقوى.
ب- في قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ. قال ابن عباس مفسرا لها: هذا في الرجل يحضره الموت، فيسمعه رجل يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله تعالى الذي يسمعه أن يتقي الله، ويوفقه ويسدده للصواب، فينظر لورثته كما كان يحب أن يصنع بورثته إذا خشي عليهم الضيعة. قال ابن كثير:«وهكذا قال مجاهد وغير واحد» فلنتذكر ما ورد في سورة البقرة.
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ألا نجد هنا في سورة النساء تفصيلا لقضية وردت في البقرة لها علاقة بقضية التقوى، لكنها ترد هنا ضمن السياق الخاص لسورة النساء، وهناك ضمن السياق الخاص في سورة البقرة.
فإذا اتضح هذا فإننا نرجح القول الذي نقلناه في سورة البقرة، وهو أن قوله تعالى في البقرة: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ تفسره الآية القادمة: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ .. فهذا تفسير الوصية الواردة في البقرة.