٣ - قال ابن مسعود في تفسير قوله تعالى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ:«هي حجارة من كبريت خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين» رواه ابن جرير.
وأخرج الإمام مسلم عن ابن مسعود قال: سمعنا وجبة فقلنا ما هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى مقرها». أقول: فهذا دليل على أن النار موجودة الآن، وأن الصحابة كان يكشف عن أسماعهم فيسمعون شيئا من أمر الغيب.
٤ - سيقت آية إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما لبيان أن ما استنكره الجهلة من الكفار، واستغربوه من أن تكون المحقرات من الأشياء مضروبا بها المثل، ليس بموضوع للاستنكار والاستغراب؛ لأن التمثيل إنما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى، وإدناء المتوهم من المشاهد، فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به كذلك، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك، ألا ترى أن الحق لما كان واضحا جليا تمثل له بالضياء والنور، وإن الباطل لما كان بضد صفته تمثل له بالظلمة؟ ولما كانت حالة الآلهة التي جعلها الكفار أندادا لله لا حال أحقر منها وأقل، ولذلك جعل بيت العنكبوت مثلها في الضعف والوهن، وجعلت أقل من الذباب، وضربت لها البعوضة فالذي دونها مثلا فمثل هذا التمثيل لا يستنكر ولا يستبعد، إذ المثل مضروب في محله مسوق على قضية مضربه، كما سيقت الآية لبيان أن المؤمنين الذين عادتهم الإنصاف والنظر في الأمور بناظر العقل، إذا سمعوا بهذا التمثيل علموا أنه الحق، وأن الكفار الذين غلب عليهم الجهل والإثارة الغوغائية، إذا سمعوه كابروا وعاندوا وقضوا عليه بالبطلان وقابلوه بالإنكار، غوغائية وتشويشا دون مبرر. فلم يزل الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور وخشاش الأرض فقالوا: أجمع من ذرة، وأجرأ من
الذباب، وأسمع من قراد، وأضعف من فراشة، وآكل من السوس، وأضعف من البعوضة، وأعز من مخ البعوضة، والله جل شأنه خاطب البشر من حيث ما ألفوه من فنون الخطاب، فبدلا من أن يشكر الإنسان الله على ما قرب إليه من معان، كفر!! وما أكثر ما نرى المحجوج والمبهوت يدفع الواضح وينكر اللائح.
٥ - ذكر الله عزّ وجل ثلاث صفات استحق بها- من استحق- الضلال وهي صفات مشتركة في الكافرين والمنافقين، والحديث الشريف ذكر أن للمنافقين ثلاث