للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كثير: وهذا ما يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض، لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثا لشبهة العمد. وفي صحيح البخاري عن الزهيري عن سالم عن أبيه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره؛ فقلت والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين» وبعث عليا فودى قتلاهم وما أتلف من أموالهم، حتى ميلغة الكلب. وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال، قال النسفي من الحنفية: إن دية الذمي كدية المسلم وهو قولنا. وقد مر معنا في هذه الفائدة أكثر من اصطلاح: العاقلة، شبه العمد، فأما العاقلة: فهي عشيرة الرجل وقبيلته التي يتناصر هو وإياها، وأما شبه العمد: فهو كالعمد إلا أن الأداة فيه ليست قاتلة في الأصل. فمن قتل عامدا بسيف مثلا أو بمسدس فذلك قاتل عمد، وأما من قتل بمثل عصا أو بحجر مما لا يقتل في الأصل فهذا شبه عمد.

٥ - في قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ في آية القتل الخطأ مظهرا من مظاهر الإعجاز القرآني العظيم إذ فيه ما يشير إلى دقة اللفظ القرآني بحيث يسع الزمان والمكان، وبحيث يسع تشريعه الزمان والمكان، فقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ. يدخل فيه حالة عدم الاستطاعة، ويدخل فيه عدم الوجود. وفي عصرنا حيث لا يوجد رقاب ورقيق، يدرك الإنسان سعة هذه الشريعة إذ وضعت بديلا مراعاة لمثل هذه الحالة، ومثل هذا الإعجاز في النص وفي التشريع، لا يمكن أن يكون لولا أن هذا القرآن من عند الله رب العالمين.

٦ - وفي موضوع القتل العمد، وتفسير الخلود في النار- الذي هدد به صاحبه- قضايا كثيرة، ضل بها من ضل، وخلاصة الحق في هذا الموضوع، أن من قتل مؤمنا قاصدا لأنه مؤمن، أو قتل مؤمنا مستحلا قتله بلا شبهة معتبرة شرعا، فهو كافر، وجزاؤه الخلود الأبدي في النار. أما من قتل مؤمنا عمدا غير مستحل، فهو مؤمن ويستحق المقام الطويل في جهنم إلا أن يعفو الله. وقد قال العلماء: إن في القتل ثلاثة حقوق: حق الله، وحق القتيل، وحق أوليائه. فحق أوليائه الدية أو القصاص، وحق الله يسقط بالتوبة إن قبلها الله، ويبقى حق القتيل يوم القيامة، فإن شاء الله أن يرضي

<<  <  ج: ص:  >  >>