بدأت السورة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
وقبل نهاية المقطع بأربع آيات جاء قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ممّا يؤكد تعانق الصّلات بين بداية المقطع ونهايته.
يبدأ المقطع بالأمر بالوفاء بالعقود، ثمّ يعرض علينا صفحة من الحلال والحرام وما يحلّ لنا وما يحرم، وذلك جزء من عقود الله معنا.
ثمّ يأتي كلام عن الوضوء والغسل للصلاة، وهذا من أهم العهود المأخوذة علينا بدليل قوله عليه الصلاة والسلام «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر». ولذلك يأتي بعد آية الأمر بالطهارة مباشرة قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
ثم يأتي بعد ذلك أمر بالقيام لله، وبالشهادة بالقسط وهما كذلك من العهود، وأخيرا يأتي تذكير بأن قوما قد همّوا باستئصالنا، فكفّ الله أيديهم عنا، وذلك لتكون إقامتنا لأمر الله كاملة، ولنقيم العدل كاملا، ولنفي لله بالعقود كاملة، فالله معنا إن كنّا متقين متوكلين. فالمقطع كله إذن له صلة بالعقود والعهود المأخوذة علينا ولذلك فإن المقطع الثاني يبدأ بقوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ مما يشير إلى أن الكلام عن المواثيق لا زال مستمرا.
وفي معرض النّهي عن استحلال شعائر الله، والنهي عن استحلال قتال القاصدين للبيت الحرام يأتي قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ فالسياق يقول: لا تتعاونوا على مثل هذا، وتعاونوا على ما هو برّ وتقوى، وإذن فالتعاون على الإثم والعدوان يتنافى مع البر والتقوى، البرّ الذي حددته سورة البقرة وآل عمران، والتقوى التي فصّلت فيها سورة البقرة وآل عمران والنساء.
ومجيء قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. بين ذكر المحرمات من المطعومات، وبين الترخيص للمضطر، وإباحة الطيبات والصيود المشروعة، وطعام أهل الكتاب، وإباحة الزواج من المؤمنات ومن الكتابيات، ما يشعر بأهمية قضايا التحريم والتحليل في دين الله- عزّ وجل- وأنها حلقة في منظومة هذا الدين. فإذا كان أساس الدين الأول (لا إله إلا الله محمد رسول