للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشعائره. وشعائره هي أعلام دينه في العبادات، من صلاة وحج، أو هي ما أحلّ وحرّم، وكما نهى عن استحلال حرمة شعائره فقد نهى أن تنتهك حرمة الأشهر الحرم بانتهاك محارم الله فيها وهي- أي المحارم- وإن كانت واجبة التّرك في غير الأشهر الحرم فإنها فيها آكد. وكما نهى عن هذا، وهذا. فقد نهى عن ترك الإهداء إلى البيت الحرام، لما في الإهداء من تعظيم شعائر الله، كما نهى عن ترك تقليد هذا الهدي في أعناقه ليتميّز عمّا عداه من الأنعام، وليعلم أنّه هدي إلى الكعبة، فيجتنبه من يريده بسوء، ويبعث من يراه على الإتيان بمثله فمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ولقد جاء الأمر بالإهداء والتقليد من خلال النّهي عن استحلال الاعتداء على الهدي والقلائد. وواضح أنّ استحلال ذلك محرّم، بل هو كفر إذ استحلال الحرام القطعي كفر. كما نهى الله- عزّ وجل- عن استحلال قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا، وعن استحلال قتال من قصده طالبا فضل الله، وراغبا في رضوانه، مثل هذا لا يجوز صدّه ولا منعه ولا تهييجه. ثم بيّن الله- عزّ وجل- أنّ المحرم إذا فرغ من إحرامه، وأحلّ منه، فقد أبيح له ما كان محرّما عليه في حال الإحرام من الصيد، ثم نهى الله- عزّ وجل- أن يحملنا بغض قوم كانوا قد صدّونا عن المسجد الحرام على أن نتجاوز حكم الله فيهم، بل علينا أن نحكم بما أمرنا الله به من العدل في حق كل أحد، ثم أمر الله- عزّ وجل- عباده المؤمنين بأن يعاون بعضهم بعضا على فعل الخيرات- وهو البرّ هنا- وترك المنكرات- وهو التقوى هنا- ونهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم. فلا يجوز التعاون على ترك ما أمر الله بفعله، وعلى مجاوزة الله في دينه، فهنا نهي عن الإثم وهو مجاوزة ما فرضه علينا في أنفسنا، ونهي عن العدوان وهو تجاوز ما حدّه الله في شأن الغير.

ثم أخبر تعالى خبرا يتضمّن النّهي عن تعاطي محرّمات محدّدة: وهي ما مات من الحيوانات من غير ذكاة ولا اصطياد، ويستثنى من الميتة السمك فإنه حلال، سواء مات بتذكية أو غيرها، وهكذا الجراد، وكما حرمت الميتة حرّم الدم المسفوح، وكذلك لحم الخنزير إنسيّه ووحشيّه، واللّحم يعمّ جميع أجزائه حتى الشحم. وكذلك حرّم ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله. فإنه حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح هذه الحيوانات على اسمه العظيم، فمتى عدل بها عن ذلك، وذكر عليها اسم غيره، من صنم، أو طاغوت، أو وثن، أو غير ذلك من سائر المخلوقات، فهي حرام بالإجماع، ومما

<<  <  ج: ص:  >  >>