«هذه الضوابط يسميها الله «العقود» .. ويأمر الذين آمنوا به أن يوفوا بهذه العقود .. وافتتاح هذه السورة بالأمر بالوفاء بالعقود، ثم المضي بعد هذا الافتتاح في بيان الحلال والحرام من الذبائح والمطاعم والمشارب والمناكح. وفي بيان الكثير من الأحكام الشرعية والتعبدية. وفي بيان حقيقة العقيدة الصحيحة. وفي بيان حقيقة العبودية وحقيقة الألوهية. وفي بيان علاقات الأمة المؤمنة بشتى الأمم والملل والنحل.
وفي بيان تكاليف الأمة المؤمنة في القيام لله، والشهادة بالقسط، والوصاية على البشرية بكتابها المهيمن على كل الكتب قبلها، والحكم فيها بما أنزل الله كله؛ والحذر من الفتنة عن بعض ما أنزل الله؛ والحذر من عدم العدل تأثرا بالمشاعر الشخصية والمودة والشنآن .. افتتاح السورة على هذا النحو، والمضي فيها على هذا النهج يعطي كلمة «العقود» معنى أوسع من المعنى الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. ويكشف عن أن المقصود بالعقود هو كل ضوابط الحياة التي قررها الله .. وفي أولها عقد الإيمان بالله؛ ومعرفة حقيقة ألوهيته سبحانه، ومقتضى العبودية لألوهيته .. هذا العقد الذي تنبثق منه، وتقوم عليه سائر العقود، وسائر الضوابط في الحياة.
وعلى عقد الإيمان بالله، والعبودية لله، تقوم سائر العقود .. سواء ما يختص منها بكل أمر وكل نهي في شريعة الله، وما يتعلق بكل المعاملات مع الناس والأحياء والأشياء في هذا الكون في حدود ما شرع الله، فكلها عقود ينادي الله الذين آمنوا، بصفتهم هذه، أن يوفوا بها. إذ أن صفة الإيمان ملزمة لهم بهذا الوفاء، مستحثة لهم كذلك على الوفاء .. ومن ثم كان هذا النداء. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
ثم يأخذ في تفصيل بعض هذه العقود ...
«إن الحديث عن الصلاة والطهارة، إلى جانب الحديث عن الطيبات من الطعام، والطيبات من النساء. وإن ذكر حكم الطهارة إلى جانب أحكام الصيد والإحرام والتعامل مع الذين صدوا المسلمين عن المسجد الحرام .. إن هذا لا يجئ اتفاقا ومصادفة لمجرد السرد، ولا يجئ كذلك بعيدا عن جو السياق وأهدافه .. إنما هو يجئ في موضعه من السياق، ولحكمة في نظم القرآن.
إنها- أولا- لفتة إلى لون آخر من الطيبات .. طيبات الروح الخالصة .. إلى جانب