طيبات الطعام والنساء .. لون يجد فيه قلب المؤمن ما لا يجده في سائر المتاع. إنه متاع اللقاء مع الله، في جو من الطهر والخشوع والنقاء .. فلما فرغ من الحديث عن متاع الطعام والزواج ارتقى إلى متاع الطهارة والصلاة، استكمالا لألوان المتاع الطيبة في حياة الإنسان .. والتي بها يتكامل وجود «الإنسان» ثم اللفتة الثانية .. إن أحكام الطهارة والصلاة؛ كأحكام الطعام والنكاح، كأحكام الصيد في الحل والحرمة؛ كأحكام التعامل مع الناس في السلم والحرب .. كبقية الأحكام التالية في السورة ..
كلها عبادة لله. وكلها دين الله. فلا انفصام في هذا الدين بين ما اصطلح أخيرا- في الفقه- على تسميته «بأحكام العبادات»، وما اصطلح على تسميته «بأحكام المعاملات».
هذه التفرقة التي (وجدت في اصطلاحات العلماء) حسب مقتضيات «التصنيف» و «التبويب». لا وجود لها في أصل المنهج الرباني، ولا في أصل الشريعة الإسلامية .. إن هذا المنهج يتألف من هذه وتلك على السواء .. وحكم هذه كحكم تلك في أنها تؤلف دين الله وشريعته ومنهجه، لا، بل إن أحد الشطرين لا يقوم بغير الآخر. والدين لا يستقيم إلا بتحقيقهما في حياة الجماعة المسلمة على السواء. كلها «عقود» من التي أمر الله المؤمنين في شأنها بالوفاء. وكلها «عبادات» يؤديها المسلم بنية القربى إلى الله. وكلها «إسلام» وإقرار من المسلم بعبوديته لله.
ليس هنالك «عبادات» وحدها و «معاملات» وحدها .. إلا في «التصنيف الفقهي» .. وكلتا العبادات والمعاملات بمعناها هذا الاصطلاحي .. كلها «عبادات» و «فرائض» و «عقود» مع الله. والإخلال بشيء منها إخلال بعقد الإيمان مع الله.
وهذه هي اللفتة التي يشير إليها النسق القرآني؛ وهو يوالي عرض هذه الأحكام المتنوعة في السياق.
«ومن الميثاق الذي واثق الله به الأمة المسلمة، القوّامة على البشرية بالعدل .. العدل المطلق الذي لا يميل ميزانه مع المودة والشنآن؛ ولا يتأثر بالقرابة أو المصلحة أو الهوى في حال من الأحوال. العدل المنبثق من القيام لله وحده بمنجاة من سائر المؤثرات ..
والشعور برقابة الله وعلمه بخفايا الصدور .. ومن ثم فهذا النداء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ