في الأرض: يطلق على أنواع من الشر، حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب إنّ قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، فالذين توسعوا في الفهم أعطوا الإمام حق التعزير في كل جريمة، هي من هذا الباب، وأطلقوا يده في العقوبة لاستئصالها بالقتل وبغيره، مما هو مذكور في الآية. والاتجاه الثاني: الذي ضيّق فهم الآية فحملها على قطع الطريق، وحمل العقوبات فيها على تصرفات، فإن قتل فقط قتل، وإن قتل وأخذ المال، صلب، وإن أخذ المال فقط قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخاف الناس فقط سجن، والذين توسعوا في فهم الآية لا ينفون انطباقها على ما ذهب إليه الآخرون، بل يثبتون ما أثبتوه ويتوسعون. وهذه الآية هي أصل حدّ الحرابة الذي يذكر عادة في كتب الفقه في كتاب الحدود فليراجع هناك.
٦ - في سبب نزول آية الحرابة نذكر الروايات التالية:
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك «أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض (أي المدينة)، وسقمت أجسامهم فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك فقال:«ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها» فقالوا: بلى. فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فبعث في آثارهم فأدركوا فجئ بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا.
لفظ مسلم. (من عكل أو عرينة)، وفي لفظ، (وألقوا في الحرة فجعلوا يستسقون فلا يسقون). وفي لفظ لمسلم، (ولم يحسمهم)، وعند البخاري قال أبو قلابة:
فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
وقال حمّاد بن سلمة عن أنس بن مالك: أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها، فبعثهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا، فصحّوا فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، وساقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آثارهم فجئ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم وألقاهم في الحرّة، قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا، ونزلت إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية. وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه وهذا لفظه، وقال الترمذي حسن صحيح.
٧ - وهل آية المحاربة عامّة في المشركين والمسلمين؟ أو أنها خاصة في الكافرين،