فمن تاب منهم من قبل أن نقدر عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحدّ، إن قتل أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه، ثم تاب لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحدّ الذي أصاب. قال ابن كثير: والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات.
٨ - احتج بعموم آية المحاربة على أنّ حكم المحاربة لمن قطع السبيل وأخاف النّاس في الأمصار وفي السبلان على السواء، لقوله تعالى وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وهذا مذهب مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد بن حنبل، حتى قال مالك في الذي يقتل الرجل، فيخدعه حتى يدخله بيتا، ويأخذ ما معه، أن هذه محاربة، ودمه إلى السلطان، لا إلى وليّ المقتول، ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تكون المحاربة إلا في الطرقات، فأمّا في الأمصار فلا، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث، بخلاف الطريق؛ لبعده ممّن يغيثه ويعينه.
٩ - قال ابن عباس وغيره: من شهر السلاح في فئة الإسلام، وأخاف السّبيل، ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، وقال الجمهور هذه الآية منزلة على أحوال من إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا. وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا. وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.
١٠ - قال ابن كثير: واختلفوا هل يصلب حيا ويترك يموت بمنعه من الطعام والشراب، أو بقتله برمح أو نحوه، أو يقتل أولا ثم يصلب تنكيلا وتشديدا بغيره من المفسدين؟ وهل يصلب ثلاثة أيام ثم ينزل أو يترك حتى يسيل صديده؟ في ذلك كله خلاف محرّر في موضعه. وبالله الثقة وعليه التكلان.
١١ - وفي قوله تعالى: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ قال ابن كثير، قال بعضهم:
هو أن يطلب حتى يقدر عليه، فيقام عليه الحد أو يهرب من دار الإسلام. رواه ابن جرير عن ابن عباس، وأنس بن مالك. وسعيد بن جبير. والضحاك، والربيع بن أنس، والزهري، والليث بن سعد، ومالك بن أنس: وقال آخرون: هو أن ينفى من بلده إلى بلد آخر، أو يخرجه السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية. وقال الشعبي:
ينفيه- كما قال ابن هبيرة- من عمله كله. وقال عطاء الخراساني: ينفى من جند إلى