ولكنّ الحكمة أن تتخيّر موضوعك بحيث يناسب روّاد مسجدك، ولكن ليس من الحكمة إذا كنت تخاطب الأمريكيين غير المسلمين مثلا في أمريكا أن تبدأ الحديث معهم في الكلام عن كراهية المجئ إلى المسجد لمن تشمّ منه رائحة الثوم والبصل، وغير ذلك من الروائح التي لا تألفها الأذواق، قد يكون هذا جزءا من موضوع ولكن لا يصلح أن يكون هو الموضوع وأن يصاغ بصيغة طلب.
ونحب أن نقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخل فيه الدعوة إلى الأصول والفروع، والمسلم من أخلاقه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولكن عليه أن يكون حكيما في الدخول والخروج وتخيّر الموضوع.
وهل يعتبر كلام الأستاذ سيد نهيا لنا عن أن نشغل أوقاتنا في صراع جزئي مع المنكرات الجزائية في المجتمع بحيث نستغرق في ذلك؟ قد يكون كلامه يفيد شيئا من ذلك، ولكن ليس هذا من باب أنه لو فعل بعض المسلمين ذلك يكونون قد ارتكبوا حراما، ولكن من باب ألا ينسينا واجب واجبات أخرى.
إنّ الجهد الرئيسي للدعوة الإسلامية ينبغي أن ينصبّ على استبدال نظام جاهلي بنظام إسلامي، بالوسائل المشروعة المتاحة المستطاعة، هذا هو الفقه الصحيح للعمل العام، ولكن ونحن نسير لذلك، فلا حرج على من يحاول إزالة منكر جزئي، بما لا يؤثر على السّير العام نحو الهدف الكبير.
هذه هي المسألة في إطارها العلمي والفقهي وفي إطار فقه الدعوة المعاصرة.
إنّ كثيرين من النّاس يرون أنّ تغيير منكر جزئي باليد لا يجوز قبل قيام السّلطة الإسلامية ويستدلون على ذلك بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكسّر الأصنام إلا بعد الفتح، وهذا خطأ فقد ثبت في السنة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشترك هو وعليّ بن أبي طالب في كسر صنم لقريش من على الكعبة قبل الهجرة وهربا، وهذا إبراهيم عليه السّلام كسّر الأصنام ولا سلطة.
إنّه من حيث الجواز يجوز لكلّ مسلم أن يغيّر منكرا أوجب الشرع تغييره، وهو إن فعل مأجور، لكن هل يجب عليه ذلك؟ هل يحتاج إلى إذن إن كان منتسبا لجماعة تتضرّر بسبب فعلته؟ كل ذلك له موازينه الشّرعية والفتوى البصيرة من أهلها هي التي تعطي الجواب الصحيح على ضوء الموازنات الصحيحة.