أحد ممّن يريد أن ينتقم منه، ولا يمنعه من عقوبة من أراد عقوبته مانع؛ لأنّ الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزّة والمنعة، وهو ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه، ثمّ بيّن تعالى أنّ الصيد المحرّم على المحرم هو صيد البر، وأمّا صيد البحر وطعامه مما اصطدناه وما لفظه فهو مباح لنا في كل حال، منفعة لنا وقوتا، ثمّ أمرنا بتقواه، كيف لا وإليه سنحشر ونحاسب. ثمّ بيّن الله- عزّ وجل- في هذا المقام ماهيّة الحكمة من جعله الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد من شعائره، فبيّن أنّ الحكمة في ذلك شيئان.
الأوّل: انتعاش الناس في أمر دينهم ونهوضهم إلى أغراضهم في معاشهم. والثاني: هو أن نزداد علما بالله، علما بمالكيته لما في السموات والأرض من خلال ممارسة شعائر الحج، وعلما بأنه بكل شئ عليم من خلال ذلك كذلك.
ثمّ أمرنا الله- عزّ وجل- في هذا السياق أن نعلم أنّه شديد العقاب، كما أنه غفور رحيم حتى لا تنسينا رؤية الجلال عن مشاهدة الجمال، ولا تجرّئنا رؤية الرحمة على المعصية، كما لا تقنطنا رؤية العقوبة من الرحمة. ثمّ بيّن أنّ على الرسول صلّى الله عليه وسلّم البلاغ والله هو الذي يعلم كل شئ فيحاسب، وفي هذا المقام- مقام البيان أن على الرسول البلاغ فقط- يأمر الله رسوله أن يبيّن أنّ القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار، ثمّ نادى أصحاب العقول الصحيحة المستقيمة أن يتقوه باجتناب الحرام وتركه، والقناعة بالحلال والاكتفاء به للوصول إلى الفلاح في الدنيا والآخرة، ثمّ أدّب الله- عزّ وجل- عباده فنهاهم عن السؤال عن أشياء لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها، لأنّها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربّما ساءتهم، وشقّ عليهم سماعها، مبيّنا لهم أنّهم إن سألوا عن هذه الأشياء التي نهوا عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبيّن لهم، وعندئذ يكون سؤالهم من أجل فهم الوحي، وأما قبل ذلك فيكون من باب التكلّف، ثمّ طمأنهم الله تعالى عن عفوه عمّا كان منهم قبل ذلك؛ إذ أنّه الغفور الحليم الذي لا يعاقب قبل البيان. ثمّ بيّن تعالى الحكمة في النهي عن الأسئلة وما ذاك إلا لعلمه تعالى بالطبيعة البشرية، فلقد سأل المسائل قوم من قبلنا فأجيبوا عنها، ثمّ لم يؤمنوا بها، فأصبحوا كافرين أي بسببها. أي: فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد، بل على وجه الاستهزاء والعناد، يفهم من ذلك أن طاقة البشر في موضوع الإيمان محدودة والله- عزّ وجل- إنّما ينزّل على عباده بما يتناسب وهذه الطاقة، وعند ما يسأل الناس قد لا يوفقون في سؤالهم، فإذا ما أجيبوا ترتب على ذلك حرج ومشقّة، فنهوا أن يبتدءوا سؤالا، وسمح لهم أن يستفهموا. وأن يتفقّهوا. ثمّ بيّن