للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القرطبي في سياق تفسيره للآية: روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات.

وكره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» .. قال كثير من العلماء: المراد بقوله: «وكثرة السؤال»: التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطّعا، وتكلّفا فيما لم ينزل، والأغلوطات، وتشقيق المولدات. وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف. ويقولون: إذا نزلت النازلة وفّق المسئول لها ..

إنه منهج واقعي جاد. يواجه وقائع الحياة بالأحكام، المشتقة لها من أصول شريعة الله، مواجهة عملية واقعية .. مواجهة تقدر المشكلة بحجمها وشكلها وظروفها كاملة وملابساتها، ثم تقضي فيها بالحكم الذي يقابلها ويغطيها ويشملها وينطبق عليها انطباقا كاملا دقيقا .. فأما الاستفتاء عن مسائل لم تقع، فهو استفتاء عن فرض غير محدد.

وما دام غير واقع فإن تحديده غير مستطاع. والفتوى عليه حينئذ لا تطابقه لأنه فرض غير محدد. والسؤال والجواب عندئذ يحملان معنى الاستهتار بجدية الشريعة؛ كما يحملان مخالفة للمنهج الإسلامي القويم. ومثله الاستفتاء عن أحكام شريعة الله في أرض لا تقام فيها شريعة الله لغير التفقه، والفتوى على هذا الأساس لغير مريد العمل!! إن شريعة الله لا تستفتى إلا ليطبق حكمها وينفذ .. فإذا كان المستفتي والمفتي كلاهما يعلمان أنهما في أرض لا تقيم شريعة، ولا تعترف بسلطان الله في الأرض وفي نظام المجتمع وفي حياة الناس .. أي: لا تعترف بألوهية الله في هذه الأرض ولا تخضع لحكمه ولا تدين لسلطانه .. فما استفتاء المستفتي؟ وما فتوى المفتي؟ إنهما- كليهما- يرخصان شريعة الله، ويستهتران بها، شاعرين أو غير شاعرين سواء! ومثله تلك الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة .. إنها دراسة للتلهية! لمجرد الإيهام بأن لهذا الفقه مكانا في هذه الأرض التي تدرسه في معاهدها ولا تطبقه في محاكمها! وهو إيهام يبوء بالإثم من يشارك فيه، ليخدّر مشاعر الناس بهذا الإيهام! إن هذا الدين جد. وقد جاء ليحكم الحياة. جاء ليعبّد الناس لله وحده، وينزع من المغتصبين لسلطان الله هذا السلطان فيرد الأمر كله إلى شريعة الله لا إلى شرع أحد سواه .. وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها، ولتواجه بأحكام الله حاجات الحياة الواقعية وقضاياها، ولتدلي بحكم الله في الواقعة حين

تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها. ولم يجئ هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعار. ولا لتكون شريعته

<<  <  ج: ص:  >  >>