للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنّها اليوم مقبولة: ولكنّه قد يوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا، أو قال: فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ.

وروى أبو جعفر الرازي، ... عن ابن مسعود في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ الآية. قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كلّ واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله يقول: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الآية. قال: فسمعهما ابن مسعود فقال: مه، لم يجئ تأويل هذه بعد، إنّ القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب ما ذكر من حساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء. وألبستم شيعا، أو ذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية.

وروى ابن جرير ... عن سفيان بن عقال، قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله قال: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:

«ألا فليبلّغ الشاهد الغائب» فكنا نحن الشهود، وأنتم الغيّب، ولكنّ هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.

وروى ابن جرير أيضا ... عن سوار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر إذ أتاه رجل جليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نفر ستة، كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألوا، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة إلّا الخير، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك، فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك، فقال الرجل: إني لست إياك

<<  <  ج: ص:  >  >>