سبحانه غيّرها لما أفادهم ذلك شيئا، لأنّ العلّة في الأصل موجودة فيهم. فالعلّة هي الطبيعة الكافرة الجاحدة، ولا شكّ أنّ اقتراح الآيات والمقترحات الفاسدة وتعليق الإيمان عليها يجرح قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المكلّف من الله بالدعوة إليه، ومن ثمّ اتجه السياق ليعزّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنّ رسلا من قبله قد استهزئ بهم، فأحاط بأقوامهم العذاب ونزل بهم في النهاية، وفي هذا تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم في تكذيب من كذّبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول للناس: أن يضربوا في الأرض معتبرين فينظروا ما أحلّ الله بالقرون الماضية- الذين
كذبوا رسله وعاندوهم- من العذاب والنّكال والعقوبة في الدنيا مع ما ادّخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة، وكيف نجّى رسله وعباده المؤمنين، هذا هو المعنى الأوّل الذي أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقوله للناس، ثم أمره أن يوجّه لهم سؤالا، وأن يجيب على هذا السؤال، وأن يبني عليه، أمره أن يسألهم لمن ما في السموات والأرض، وأن يجيب هو على هذا السؤال بأن الله هو مالك السموات والأرض، وأن الله الذي هو مالك السموات والأرض قد كتب على ذاته المقدسة الرحمة، وأقسم بذاته المقدسة أنه سيجمع عباده يوم القيامة، وذلك من مظاهر رحمته، وأخبرنا عن هذا اليوم بأنّه هو اليوم الذي لا شك في وقوعه، ولا ريب عند عباد الله المؤمنين فيه، فأما الجاحدون المكذّبون فهم في ريبهم يترددون، وهم سيخسرون أنفسهم يوم القيامة؛ لعدم تصديقهم بالمعاد؛ وعدم خوفهم شرّ ذلك اليوم. والله الذي هو مالك ما في السموات وما في الأرض، مالك كل دابّة في السموات والأرض، الجميع عباده وخلقه، وتحت قهره وتصرّفه وتدبيره لا إله إلا هو، وهو السّميع لأقوال عباده، العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم، وبعد أن أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالأمرين السابقين أمره أن يأمرهم بالاعتبار، وأن يبلّغهم مالكية الله لما في السموات والأرض ورجوع الخلق إليه، أمره أن يعلن، أنّه- أي رسول الله- لا يتخذ وليّا إلا الله الذي خلق السموات والأرض، الذي أبدعهما على غير مثال سبق، إذ هو الرّازق لعباده من غير احتياج إليهم، ثمّ أمر أن يعلن أنّه أمر أن يكون أول الناس إسلاما وألّا يكون مشركا، ثمّ أمره أن يعلن أنه يخاف عذاب الله العظيم إن عصاه، وهو العذاب الذي من صرفه الله عنه فقد رحمه، وذلك أعظم أنواع الفوز، وبعد أن أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول للكافرين ما رأينا، وأن يعلن لهم ما مرّ معنا، بيّن لرسوله أنّه هو الله مالك الضرّ والنّفع، وأنه المتصرّف في خلقه بما يشاء، لا معقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، وأنّه لا يكشف الضّرّ إلا هو، ولا يصيب بالخير إلا هو، وإذا أراد أن يصيب أحدا بضرّ فلا يكشفه أحد، وإذا أراد أن