للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أراد، ثم يقرّر أنّه الحكيم في أفعاله، الخبير بمواضع الأشياء ومحالها؛ فلا يعطي إلا عن علم، ولا يمنع إلا عن علم، وبعد أن قرّر الله- عزّ وجل- قهره وحكمته وعلمه- وآثار هذه الصفات مرئية معلومة، فمن لم يشاهد من خلالها خالقها فإنّه يكون عديم الإدراك- بعد هذا التقرير يأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يسأل الكافرين عن أعظم الأشياء شهادة، ثم يأمره أن يجيب: أن الله هو أعظم الأشياء شهادة، وأن الله الأعظم شهادة هو يشهد على رسالة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وما يقال له وما يردّ عليه، وشهادة الله لرسوله قائمة في المعجزات التي أظهرها على يده، وأعظمها هذا القرآن الذي يدلّ دلالة لا تقبل شكا على أنه من عند الله؛ بما فيه من إعجاز؛ وبما فيه من معجزات؛ لذلك قال بعد ذلك وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. أي:

والقرآن نذير لكل من بلغه، وفيه الشهادة على أن محمدا رسول الله، بحكم كونه معجزة لا تكون إلا من عنده سبحانه، ثمّ أمر الله رسوله أن يسألهم وأن يجيب ملقّنا إياه الحجّة، أمره أن يسألهم عما إذا كانوا يشهدون أن مع الله آلهة أخرى، ثم أمره أن يقول بأنه لا يشهد شهادتهم بعد أن أفهمهم أن شهادة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي شهادة الله بكتابه، ثم أمره أن يعلن ويقرر وحدانية الله، وأن يعلن براءته من شركهم، وإذ أخبر تعالى عما نعرف به صدق رسالة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ذكر عن

أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذي جاء به رسوله صلّى الله عليه وسلّم، كما يعرفون أبناءهم؛ بما عندهم من الأخبار، والأنباء عن المرسلين المتقدمين، والأنبياء؛ فإن الرسل بشروا بمجيء محمد صلّى الله عليه وسلّم، وصفته، وبلده، ومهاجره، وصفة أمته، فما أوضح استحقاق الكافرين لخسارة أنفسهم يوم القيامة بعدم إيمانهم بهذا الأمر الجليّ الظاهر الذي بشّرت به الأنبياء، ونوّهت به في قديم الزمان وحديثه، وفي هذا السياق قرّر تعالى أنّه لا أظلم ممّن تقوّل على الله؛ فادّعى أنّ الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثمّ لا أظلم ممّن كذّب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته، وأن الظالمين من هؤلاء، وهؤلاء من المفترين والمكذبين لا يفلحون، وإذ كان رسوله صلّى الله عليه وسلّم من المفلحين، ومن كذّبه لا يفلح، فذلك علامة من أعلام رسالته، وإذا عاقب الله من لم يؤمن برسوله صلّى الله عليه وسلّم، فذلك أثر من آثار قهره، الذي صدّرت بالكلام عنه هذه الجولة، وبهذه المعاني التي قرّرت قهر الله وحكمته وعلمه، وأنّه الأعظم شهادة، وأنّه منزل القرآن، وأنّ محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسوله، وأنّ رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم لا يرقى إليها شك، من حيث أدلتها، أو من حيث شهرتها عند أهل الكتاب، والظلم الأكبر ظلم من لا يؤمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعد تقرير هذه المعاني ينقلنا الله تعالى إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>