الإسلامي والعقلية الإسلامية- يقرر أن هناك عالما للغيب وعالما للشهادة فليس كل ما يحيط بالإنسان غيبا، وليس كل ما يتعامل معه من قوى الكون مجهولا.
إن هنالك سننا ثابتة لهذا الكون؛ يملك «الإنسان» أن يعرف منها القدر اللازم له، حسب طاقته وحسب حاجته، للقيام بالخلافة في هذه الأرض. وقد أودعه الله القدرة على معرفة هذا القدر من السنن الكونية؛ وعلى تسخير قوى الكون وفق هذه السنن للنهوض بالخلافة، وتعمير الأرض، وترقية الحياة، والانتفاع بأقواتها وأرزاقها وطاقاتها. وإلى جانب هذه السنن الثابتة- في عمومها- مشيئة الله الطليقة، لا تقيدها هذه السنن وإن كانت من عملها. وهناك قدر الله الذي ينفذ هذه السنن في كل مرة تنفذ فيها. فهي ليست آلية بحتة، فالقدر هو المسيطر على كل حركة فيها؛ وإن جرت وفق السنة التي أودعها الله إياها. وهذا القدر الذي ينفذ هذه السنن في كل مرة تنفذ فيها «غيب» لا يعلمه البشر علم يقين؛ وأقصى ما يصل إليه الناس هو الظنون و «الاحتمالات» .. وهذا ما يعترف به العلم البشري أيضا.
وإن ملايين الملايين من العمليات لتتم في كيان الإنسان في اللحظة الواحدة؛ وكلها «غيب» بالقياس إليه هي تجري في كيانه، ومثلها ملايين ملايين العمليات التي تتم في الكون من حوله؛ وهو لا يعلمها!
وإن الغيب ليحيط بماضيه وماضي الكون. وحاضره وحاضر الكون. ومستقبله ومستقبل الكون .. وذلك مع وجود السنن الثابتة التي يعرف بعضها، وينتفع بها انتفاعا علميا منظما في النهوض بعبء الخلافة.
وإن «الإنسان» ليجيء إلى هذا العالم على غير رغبة منه ولا علم بموعد قدومه، وإنه ليذهب عن هذا العالم على غير رغبة منه ولا علم بموعد رحيله .. وكذلك كل شئ حي .. ومهما تعلّم ومهما عرف، فإن هذا لن يغيّر من هذا الواقع شيئا.
إن العقلية الإسلامية عقلية «غيبية علمية» لأن «الغيبية» هي «العلمية» بشهادة «العلم» والواقع .. أما التنكر للغيب فهو «الجهلية» التي يتعالم أصحابها وهم بهذه الجهالة! وإن العقلية الإسلامية لتجمع بين الاعتقاد بالغيب المكنون الذي لا يعلم مفاتحه إلا الله؛ وبين الاعتقاد بالسنن التي لا تتبدل، والتي تمكن معرفة الجوانب اللازمة منها لحياة الإنسان في الأرض، والتعامل معها على قواعد ثابتة .. فلا يفوت المسلم «العلم»