للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجم، ثم القمر، ثم الشمس، واختلف المفسرون في هذا المقام، هل هو مقام نظر أو مناظرة، أي هل فعلا كان ينتقل في التأمل حتى وصل إلى ربوبية الله؟ أو أنه كان يناظر قومه في هذا الكلام؟ وهل في قوله: هذا رَبِّي استفهام أو تقرير؟. رجّح ابن جرير أن المقام مقام نظر. ورجّح ابن كثير أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه، مبيّنا لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام. قال ابن كثير: فبيّن في المقام الأول مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام، التي هي على صور الملائكة السماوية، ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم، الذين هم عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه، وإنما يتوسّلون إليه بعبادة ملائكته، ليشفعوا لهم عنده في الرّزق والنّصر، وغير ذلك ممّا يحتاجون إليه، وبيّن في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل، وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيّزة، وهي القمر، وعطارد، والزهرة، والشمس، والمريخ، والمشترى، وزحل، وأشدّهن إضاءة وأشرقهن عندهم الشمس، ثم القمر، ثم الزهرة، فبيّن أولا صلوات الله وسلامه عليه أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية؛ فإنها مسخّرة، مقدّرة بسير معيّن لا تزيغ عنه يمينا ولا شمالا، ولا تملك لنفسها تصرفا، بل هي جرم من الأجرام، خلقها الله منيرة؛ لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق، ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الأبصار، ثم تبدو في الليلة القابلة على- هذا المنوال- ومثل هذه لا تصلح للإلهية، ثم انتقل إلى القمر فبيّن فيه مثل ما بيّن في النّجم، ثم انتقل إلى الشمس كذلك، فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع، وأقام عليهم الحجة بأنه لا شئ من هذه المخلوقات مهما كبرت وعظمت يستحق الربوبية، أعلن براءته من عبادتهن، وموالاتهن، وأعلن أنه إنما يعبد خالق هذه الأشياء، ومخترعها، ومسخّرها، ومقدّرها، ومدبّرها، الذي بيده ملكوت كل شئ، وخالق كل شئ، وربه ومليكه وإلهه، ثم أخبر تعالى عن خليله حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد، وناظروه بشبه من القول كيف أنكر عليهم أن يجادلوه في أمر الله، وأنه لا إله إلا هو، وقد بصّره الله وهداه إلى الحق، وأنّه على بيّنة من ربه، فكيف يلتفت إلى أقوالهم الفاسدة، وشبههم الباطلة، ومن ذلك تخويفهم إياه بآلهتهم، والدليل قائم على بطلان قولهم فيما ذهبوا إليه، وذلك أنّ هذه الآلهة التي يعبدونها لا تؤثّر شيئا؛ فهو لا يخافها، ولا يباليها؛ إذ لا يضر ولا ينفع إلا الله الذي أحاط علمه بجميع الأشياء، فلا تخفى عليه خافية، فكيف لا يعتبرون ولا يتعظون، ولا ينزجرون، ثم أقام عليهم الحجة

<<  <  ج: ص:  >  >>