للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتزوّج تارح إيمتالي بنت كرناب، فرزقا إبراهيم. وكان مولده مرصودا في الكوكب فاطلع عليه النمروذ، واستشار الملأ من قومه فأشاروا عليه بقتل كل طفل، ذكر، واستحياء البنات، وإغداق العطايا والجوائز على أهليهن، ليفرحوا بمولد البنات.

وأحس تارح أن امرأته حامل، فلما أراد أن يتحقق من ذلك صعد الجنين إلى صدر أمّه فخوى بطنها ولم يظهر فيه حمل، وهربت أمه حين جاءها المخاض فأوت إلى كهف ولدته فيه، وتركته ثمة وهي تدعو له، فبقي ثلاث عشرة سنة لا يرى الشمس- على رواية بعض الكتب-، ومكث في الكهف أقل من ذلك على روايات أخرى، وأرسل الله جبريل يرعاه فجعل الطفل يمتص أصابعه فيرضع منها ويكبر قبل الأوان.

وخرج من الكهف ليلا وهو في الثالثة فرأى النجوم فقال: هذه هي الأرباب. فلما أشرقت الشمس قال: كلا. بل هذه هي الرب. فلما أفلت وظهر القمر قال: بل هو هذا .. فلما أفل قال: ما هذه بأرباب. إنما الرب المعبود هو الذي يديرها ويسيرها ويبديها ويخفيها. وفي بعض الكتب أن أمه خرجت تتفقده بعد عشرين يوما حيث تركته فوجدت في طريقها صبيا ناميا فسألها:-ماذا جاء بك إلى الصحراء؟ ..

فأنبأته بقصتها، وعرّفها بنفسه فدهشت وعجبت لطفل يكبر ولم يمض على مولده شهر واحد .. قال لها: إنها قدرة الله الذي يرى ولا يرى ..

ويظن جامعوا الأساطير اليهودية أن وصف الله بهذه الصفة منقول من أصل عربي اطلع عليه يهود الأندلس، ثم اختلفت تفصيلاته عند نقلها إلى العبرية .. قالت أمه وقد ازداد عجبها: أإله غير النمروذ؟ .. قال: نعم يا أماه .. رب السموات والأرض، ورب النمروذ بن كنعان. فاذهبي وبلغي النمروذ ما سمعت.

وأنبأت زوجها تارح وكان أميرا من أمراء الملك، فذهب إليه يطلب لقاءه، فأذن له باللقاء فسجد بين يديه، ولم يكن من عادتهم إذا سجد أحدهم بين يدي الملك أن يرفع رأسه بغير أمره، فلما أمره الملك أن ينهض ويتكلم روى له القصة ففزع أعوانه ووزراؤه، ثم ملكوا جأشهم وقالوا له: علام هذا الفزع من صبي لا حول له ولا قوة، ومن أمثاله في المملكة ألوف وألوف. قال لهم النمروذ: وهل رأيتم صبيا في العشرين يتكلم وينطق بمثل هذا البيان؟ ..

وخشي الشيطان أن يسبق الإيمان إلى قلب الملك فبرز لهم وأزال ما بهم من الروع،

<<  <  ج: ص:  >  >>