٣ - أخرج ابن جرير عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قال أي مجاهد: فرجت له السموات، فنظر إلى ما فيهن، حتى انتهى
إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن. وزاد غيره: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي ويدعو عليهم، فقال الله إني أرحم بعبادي منك لعلّهم أن يتوبوا أو يرجعوا.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسيرها قال: فإنه تعالى جلا له الأمر سرّه وعلانيّته، فلم يخف عليه من أعمال الخلائق، فلمّا جعل يلعن أصحاب الذنوب، قال الله: إنك لا تستطيع هذا، فردّه كما كان قبل ذلك. قال ابن كثير: فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عيانا، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتى شاهد بفؤاده وتحقّقه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدّلالات القاطعة، كما روى الإمام أحمد والترمذي وصحّحه عن معاذ بن جبل في حديث المنام:«أتاني ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب، فوضع يده بين كتفيّ حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلى لي كلّ شئ وعرفت ذلك».
وذكر الحديث.
٤ - رأينا في قول إبراهيم هذا رَبِّي من يذهب إلى أن هذا المقام مقام نظر وتدبّر، ومن يذهب إلى أنه مقام مناظرة. وقد جادل ابن كثير جدالا عنيفا وطويلا ضد القول الأول مستشهدا بالآيات الكثيرة التي تثبت رفض إبراهيم للأصنام ابتداء وسلامة فطرته، وبالأحاديث التي تثبت أن كل مولود يولد على الفطرة إلى أن قال: فإذا ما كان هذا في حق سائر الخليقة فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمّة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ناظرا في هذا المقام؟! بل هو أولى النّاس بالفطرة السليمة والمستقيمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا شك ولا ريب». ورجّح النسفي: أنّ كلام إبراهيم هذا للمناظرة بدليل قوله تعالى: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أقول: ولا شك أن من لاحظ ابتداء الكلام في قصة إبراهيم وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ولاحظ نهاية الكلام، ثم مجئ قوله تعالى بعد ذلك وَحاجَّهُ قَوْمُهُ ... يشعر أنّ المقام مقام مناظرة. وإن كان الظاهر غيره والله أعلم.
٥ - وبمناسبة قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ يذكر ابن كثير مجموعة أحاديث نذكرها بدون إسنادها مع حذف المكرّر: