بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا نظير! وهو مبدع السموات والأرض، وخالقهما ومنشئهما ومحدثهما على غير مثال سبق! ومن كان هذا شأنه فكيف يكون له ولد! والولد إنما يتولد بين شيئين متناسبين، والله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شئ من خلقه؛ لأنّه خالق كل شئ فلا صاحبة له، وإذ لا صاحبة له فلا ولد له، وكيف يكون له صاحبة أو ولد وهو الذي خلق كل شئ! وهو الذي بكلّ شئ عليم، ومن كان كذلك فإنّه لا نظير له
- هذا الإله الذي خلق السموات والأرض وأبدعهما، وخلق كل شئ والذي هو بكل شئ عليم، هو ربنا، لا الجنّ ولا غيرهم، فهو الذي لا إله إلا هو وهو خالق كل شئ، وهو الذي يستحقّ العبادة وحده؛ فاعبدوه وحده؛ إذ هو الحفيظ والرقيب والمدبّر لكل من سواه، يرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار.
- هذا الإله العظيم لا تدركه الأبصار في الدنيا، ولا تحيط به لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلا أحد يستطيع أن يحيط بكنه عظمته وجلاله على ما هو عليه، أما هو فإنه يدرك الأبصار، يراها ويحيط بها علما على ما هي عليه؛ لأنه خلقها، إذ هو اللطيف الذي يعلم دقائق الأمور ومشكلاتها، العليم بظواهر الأشياء وخفياتها.
وبعد أن قرّر المقطع شرك من أشرك وردّ عليهم الردّ البليغ العجيب المدهش الذي فيه وصف الذّات الإلهية مما يدّل على أنّ القرآن من عند الله، إذ من يستطيع أن يصف الله هذا الوصف المدهش إلا هو- جل جلاله-.
- ثمّ إنه بعد هذا الردّ المدهش والبلاغ العجيب يذكر الله- عزّ وجل- أنّه بإنزاله هذا القرآن قد أعطي البشر البصائر كلها أي: البينات والحجج التي يرى بها الإنسان الأشياء على ما هي عليه، فمن أبصر بها وعلى ضوئها فمصلحة ذلك عائدة عليه، ومن عمي عنها ولم ير بها فوبال ذلك عائد عليه، ومحمّد عليه الصلاة والسلام مبلّغ وما هو بحافظ ولا رقيب. ثمّ بيّن تعالى أنّه بمثل هذا البيان الرائع، وهذا التقرير العظيم، وهذه الحجة الواضحة، يبيّن الآيات، ويوضّحها ويفسّرها، ويكرّرها، فأما الكافرون والمشركون والمنافقون، فإنّهم بدلا من أن يؤمنوا يتّهمون محمدا عليه الصلاة