حرّموا ما رزقهم الله، ثم ذكر نموذجا على اتّباع خطوات الشيطان، بذكر ما فعله العرب في جاهليّتهم، وما يفعله غيرهم أو بعضهم وما يزال. فالعرب حرّموا الأنعام، وجعلوها أجزاء وأنواعا، بحيرة، وسائبة، ووصيلة، وحاميا، وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام، ثمّ ذكر أصناف الأنعام غنما، وما عزا، وبقرا، وإبلا، وأنّه لم يحرّم من ذلك لا ذكرا ولا أنثى، ولا شيئا من أولادها، وقد حرّم العرب من الذكور والإناث، وحرّموا الذكور في بعض الأحوال على إناثهم، وحرّم الهندوس على أنفسهم ذبح البقر وأكل لحمه، ولا تزال طوائف من الناس تحرّم لحم الأنثى من الغنم والماعز والبقر، ولا تزال طوائف تحرّم أكل الإبل، وكل ذلك من اتّباع خطوات الشيطان، ومن ثمّ ذكر الله- عزّ وجل- في هذا السياق الأصناف الثمانية: من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين. فمن يدّعي على الله أنّه حرّم الذكرين، أو الأنثيين أو ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، فليخبر كيف حرّم الله عليهم ما زعموا. وكذلك خلق الله من الإبل ذكرا وأنثى، ومن البقر ذكرا وأنثى، فمن يدّعي أنّ الذّكرين محرمان، أو الأنثيين محرمان، أو ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، فإنّه يكذب على الله، ولا أحد أظلم ممّن يفتري على الله كذبا، وقد جرت سنة الله أنّه لا يهدي القوم الظالمين. فتقرّر بهذا أنّ الثمار، والزروع، والأنعام، كلها خلق الله، وأنّه خلقها لهذا الإنسان، وأن الهجوم على التحريم بغير علم كذب على الله، وهو أبلغ الظلم، وهذا كله يذكّرنا بقوله تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً .... التي هي محور هذه السورة، وبامتدادات هذا المحور في سورة البقرة: كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ
وبعد هذا التقرير المذكّر بما خلق الله لنا من الزروع والثمار والأنعام، والمفنّد للهجوم على التحريم بغير علم، تأتي ثلاث مجموعات مبدوءة بكلمة (قل) وبعضها مبدوءة ب (قل) ومنتهية كذلك بآية بدايتها (قل).
تبدأ المجموعة الأولى بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقول لهؤلاء الذين حرّموا ما رزقهم الله افتراء على الله، أنّه لا يجد في الوحي المنزّل عليه حراما على آكل يأكله إلا الميتات، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهلّ به لغير الله، والمراد من سياق هذه الآية الكريمة الردّ على المشركين وأمثالهم ممّن يحرّمون- بآرائهم الفاسدة- ما لم يحرّمه الله، ثمّ بيّن تعالى أنّه حتى هذه المحرّمات أباحها الله عند الاضطرار، إذا لم يتلبس آكلها