ببغي وعدوان؛ وذلك من كمال غفرانه ورحمته، هذا في كتاب الله الذي أنزله الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا في الكتاب الذي أنزله الله من قبل فقد ذكر الله- عزّ وجل- أنّه حرّم على اليهود كل ذي ظفر من البهائم والطير، ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل، والنّعام، والإوز، والبطّ، وغير ذلك مما سيأتي، كما حرّم عليهم شحوم البقر، والغنم، والماعز، إلا ما كان شحما في ظهر، أو شحما في حوية، وسيأتي معناها، أو شحما مختلطا بعظم فهذا مباح لهم، وتحريم هذه الأشياء لم يكن لضرر فيها، وإنما كان عقوبة لهم على بغيهم ومخالفتهم أوامر الله، من أجل ذلك كان التضييق.
إذن فذاك الذي حرّم الله في القرآن، وهذا الذي حرّم في التوراة من قبل. فمن ادّعى أنّ الله حرّم غير هذا المذكور فأين دليله؟ وقد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم في حالة التكذيب أن يذكر بأنّ رحمة الله واسعة، ولكنّ بأسه لا يردّ عن القوم المجرمين، فلا يطمعنّ أحد من هؤلاء المجرمين برحمته، ولا شكّ أنّ المشركين ليس لهم دليل على أنّ الله حرّم شيئا مما حرموا ولذلك فإنهم يفرون إلى المشيئة، ولذلك فهم يدّعون أن ما هم عليه من الشرك ومن تحريم ما حرموا إنما هو بمشيئة الله، وكونه بمشيئة الله فذلك علامة رضاه وتشريعه، وهذا ذروة التكذيب، إذ بهذا الزعم يكون كل ما فعله البشر شرعا لله، وبالتالي فليس هناك حاجة للرسل، وفي هذا تكذيب للرسل في كل ما جاءوا به.
ولذلك بيّن الله تعالى- بعد أن ذكر شبهتهم هذه- أن تكذيبهم هذا ليس جديدا، بل إنّ من قبلهم كذبوا مثل تكذيبهم حتى جاءهم العذاب. ثمّ أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يسألهم: هل عندكم علم بأن ما فعلتموه هو محلّ الرضى من الله؟ فإن كان فأظهروه وبيّنوه وأبرزوه، وما دام ليس عندهم علم فهم إذن لا يتّبعون إلا الوهم والخيال والاعتقاد الفاسد، وهم كذبة على الله فيما ادّعوه، وإذ قامت عليهم الحجة فقد أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن أن لله الحجة البالغة، فلو شاء لهدى الجميع، ولكن له حكمه، وله المشيئة المطلقة، ولا يسأل عما يفعل، وإذا لم يثبت التحريم، لا في الوحي الجديد، ولا في الوحي القديم، وليس عند هؤلاء علم يدلّ على أن ما حرّموه فيه مرضاة الله، لم يبق إلا أن يطالبوا بإحضار الشهداء الذين يشهدون أنّ الله حرّم ما حرّموه، ولنفرض أنهم قدّموا شهودا فماذا يكون الموقف؟ الموقف أن يرفض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادتهم لأنهم شهود زور كذبة، وألا يشهد معهم، وألا يتّبع أهواء المكذبين لآيات الله، الكافرين بالآخرة، الذين يجعلون لله عديلا وشريكا. وبهذا انتهت المجموعة الأولى من هذا المقطع. ومن النقاش الطويل لموضوع تحريم بعض الأنعام ندرك كم لقضية التحريم من